قرار «مجلس التآمر الخليجي» يستهدف وحدة لبنان ويخدم مشاريع «إسرائيل»

قرار «مجلس التآمر الخلیجی» یستهدف وحدة لبنان ویخدم مشاریع «إسرائیل»

لم يمثل قرار «مجلس عرب الخليج» ، بإدراج حزب الله لبنان ، فخر العرب والمسلمين وأحرار العالم في قائمة «المنظمات الإرهابية» ، مفاجأة ، ذلك لأن أمر الإقرار مفروغ منه ومتفق عليه مسبقاً ، إلا أنه جاء ليؤكد الحقائق الثابتة عن هذا المجلس ، المختطف من قبل بني سعود ، و لعل أبسط رصد أو تحليل لهذا القرار ، أنه ليس بريئاً ولا مرتجلاً أو عشوائياً أو انفعالياً ، بل تفوح من جنباته روائح تآمرية كريهة تشي بأنه مدبر بليل ، و مخطط بدقة ، و معد في الغرف المغلقة ، ومرسوم سلفاً ومع سبق الإصرار والتعمد...

و يأتي موقف عرب مجلس التعاون الخليجي ، بعد أقل من أسبوعين على إعلان السعودية وقف مساعداتها للجيش اللبناني و قوى الأمن الداخلي ، الأمر الذي دعمته دول المجلس أيضاً . والهدف معاقبة المقاومة الوطنية اللبنانية لإسقاطها ما يسمى "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، ولوقوفها أمام المشاريع الصهيونية الفتنوية التي تستهدف لبنان أولا ، ودول المنطقة ثانياً ، والأهم أنها أثبتت للعالم بأسره مدى ضعف ووهن الكيان الصهيوني الغاصب للقدس .‏

فالقرار الخليجي السعودي بامتياز ، إضافة لكونه استكمال لمشروع استهداف المقاومة، فإنه جاء أيضاً بناء على رغبة المستعربين الجدد وأجرائهم في الداخل اللبناني، الذين يعملون ليل نهار من أجل إقصاء حزب الله عن المشهد السياسي اللبناني، وتشويه صورته أمام العالم، لأن هذا الحزب حمل راية المقاومة، وألحق الهزائم المدوية بالعدو الصهيوني ، الأمر الذي أحرج أولئك المستعربين و فضح ضعفهم وعجزهم، فهم لم يعرفوا في تاريخهم سوى الهزائم والانكسارات ، ولم يعتادوا إلا على التبعية والرضوخ للأجنبي ، ولذلك يعتبرون أن بإزاحة المقاومة أو محاولة تدجينها ، يمحون من ذاكرة شعوبهم ، ما لحق بهم من خزي وعار .
*****
أن يتنطح مجلس عرب الخليج الفارسي لإصدار قرار كهذا ، فذلك لأنه لا يمتلك الإرادة الكافية لرفض الأوامر الأميركية والصهيونية، فأراد أن يعوض عن هزيمته النكراء في المهمة التي أوكلت إليه في سوريا واليمن ولبنان، خوفاً من خسارة ود ورضا السيد الأميركي، كما أن حكومات مجلس التعاون الخليجي ، قد أصيبت بداء عمى البصر والبصيرة، فلم تعد تميز بين مصلحة شعوبها والمصلحة «الإسرائيلية» ، وباتت تنظر لمصالحها بعيون صهيونية...
لقد لبّى مجلس التعاون ، صاغراً رغبة كيان الارهاب الصهيوني و الولايات المتحدة الأميركية ، وأدرج حزب الله على قوائمه الإرهابية، متناسياً ومتجاهلاً في آن معاً أن حزب الله ـ وفق المفهوم الأوروبي والدولي ـ عبارة عن حركة مقاومة وطنية من أجل التحرر والاستقلال كسائر حركات التحرر الأوروبية التي قاومت الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية .
و في الخطوة العدائية الخليجية تجاه المقاومة اللبنانية ، تنسجم السعودية في أرذل عمرها أيما انسجامٍ مع وهابيتها ورجعيتها ، ويغلب عليها حنينها الذي لا يفارقها لمواصلة عدوانيتها العتيقة الآفلة . إنها تأتي في سياق الحرب السعودية ذات النكهة الصهيونية الدائمة على القوى الحية في الأمة العربية، واحتشاداتها الدولية والإقليمية الباغية المستهدفة لكل قوى الصمود والممانعة فيها، والمحاولات المستميتة لشيطنتها ووصمها بالإرهاب، ولا تشذ عن مساعي حقن مواطن الضعف والبيئات الانهزامية فيها بأمصال نشر الوباء الطائفي ورعاية استشرائه في أطنابها ، كما لا يمكن فصلها عن الحرب العدوانية على سوريا الدور والمواقف والدولة والوطن والمجتمع، ولا يمكن عزلها عن ما يعدونه الآن من خطوات تصفوية للقضية الفلسطينية ... كما لا يمكن فصلها ولا عزلها عن ديمومة اللوثة الوهابية المعتقة و الذيلية الراسخة للمركز الإمبريالي المتصهين والتزاماته تجاه ثكنته الصهيونية المتقدمة في قلب وطننا العربي ... عن محاولات التغطية على جرائم آل سعود الكبرى المستدامة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا...
ان القرار الخليجي الظالم ضد شريحة كبيرة من الشعب اللبناني تمارس العمل المقاوم بأشكال مختلفة داخل وطنها دفاعاً عن نفسها وشعبها في وجه محتل غاصب ، يعدّ خطيئة كبرى لأسباب كثيرة : فالقرار يشكّل اعتداءً سافراً على حق من الحقوق المشروعة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وهو حق كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية ، ومن جهة أخرى ، يقدم القرار لخصوم وأعداء الحزب في لبنان ذريعة مواتية للهجوم والانقضاض على جماهير الحزب ومؤيديه ومناصريه بوصفهم ''جماعة إرهابية'' كما يهيئ لفتنة أو حرب داخلية، وهذا يستدعي أفعالاً وردود أفعال قد لا تحمد عقباها... وليس عرب مجلس تعاون الدول الخليجية، بغافل عن حالة الاحتقان والتأزم التي يعيشها لبنان من النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لأسباب عديدة، وبرميل بارود كلبنان طبعاً لا يحتاج سوى شرارة صغيرة لتفجيره...!
وهنا نتساءل بهدوء: كيف يفكر عرب مجلس تعاون الدول الخليجية؟ كيف يلقي ''مجلسهم'' التهم ويعطي الشهادات ويوزعها بين شهادات حسن سلوك وسوء سلوك؟
وللإجابة لابد من الاستئناس بالثوابت التالية:
أولا: إن هذا ''المجلس الخليجي'' أثبت تبعيته وطفولته الدائمة المحتاجة لرعاية الأب المهجن (الصهيو ـ أميركي)، فالدول الخليجية ، تثبت أنها لا تملك قرارها السياسي، على الأقل فيما يتعلق بمنطقتنا وقضايانا العربية، وإنما قرارها بيد مولاها ''المهجن'' الذي اكتفى بإشارة من إصبعه ''الخنصر'' ليملي على ''طفله الخليجي'' لتصنيف ميليشيات حزب الله، بكل قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية، تلبية للنزعة العدوانية لدى كيان الاحتلال الصهيوني هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لتثبت السعودية التي تتزعم دول الاعتدال والارتهان العربي، أنها لن تكون بمعزل عن الدور الأميركي الداعم والمنحاز للاحتلال الصهيوني، في سبيل ضرب أي نفَس مقاوم تمثله أي قوة، سواء في شكل حزب أو جماعة أو فرد أو دولة.
ثانياً: إن دور هذا ''المجلس الخليجي'' في المشروع الصهيو ـ أميركي، هو دور مكمل وتنسيقي من حيث التدليس والفبركة لتمرير المشروع ومن ثم تنفيذه، وذلك في إطار الحركة التبادلية للأدوار والتنسيق القائم، فقد قدم القرار المرسل من تل أبيب إلى مجلس الارتهان والاعتدال العربي، صورة جلية عن كيفية اتخاذ القرار السياسي وآليات فبركته وتدليسه، من خلال الاتهام الذي حُشِر حشراً لتبرير القرار المشبوه والمشوّه، والذي اتهم به حزب الله، مشاركة الحزب في دعم سوريا ضد الإرهاب وإحباط المؤامرة الكونية ضدها، وإنما الحقيقة الثابتة هي التنسيق والتكامل في الأدوار بين جميع قوى المشروع الصهيو ـ أميركي لتدمير القوى المقاومة والحرة الرافضة للاحتلال الصهيوني والظلم والإرهاب الممارس ضدها، وذلك بالتزامن مع مؤامرة تدمير سوريا الدولة العربية الداعمة الوحيدة لقوى المقاومة وقوى التحرر الوطني من ربقة الاحتلال الصهيوني، ولهذا ليس مستغرباً أن ينال مجلس التعاون الخليجي، شهادة الثناء الصهيونية على سرعة اتخاذ القرار ودون تردد، حيث سارعت «إسرائيل» للترحيب بالقرار واعتباره ''مهماً ودقيقاً'' .
ثالثًا: هذا القرار لمجلس التعاون الخليجي، يدحض جميع الترهات والأكاذيب والتعليلات والحجج التي يسوقها لتأكيد أنه ضد الإرهاب، ذلك أنه في الوقت الذي يدرج فيه مجلس التعاون الخليجي حزب الله في ما يسمى القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية، كان ولا يزال يدعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية مثل ما يسمى ''جبهة النصرة'' وغيرها من مشتقات تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا لقتل الشعب السوري وتدمير دولته وبناها التحتية، في حين أن حزب الله لم يكن يومًا أداة إرهاب وتدمير، بل أداة مقاومة ضد أي عدوان أجنبي أو صهيوني على لبنان، ومثلما دافع ويدافع عن حق مشروع لتحرير أراضي بلاده، يؤكد استعداده لاستمرار هذا النهج الوطني المقاوم وهذا الحق المشروع، فالحزب هو مكون أساس من مكونات المجتمع اللبناني وله إسهامات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة في النهوض بلبنان، وله قاعدة شعبية عريضة، ترفض الترهات الخليجية السعودية الموعزة صهيونيًّا.
و للأسف الشديد ، أنّ مجلس التعاون الخليجي ليس فقط لم يكن موفقاً في قراره المستفز ؛ بل إنه أعطى الضوء الأخضر لكيان الاحتلال الصهيوني والغطاء السياسي لعدوانه المتوقع على لبنان، متجاهلاً بالتالي مصالحه الحيوية في المنطقة بعامة ولبنان بخاصة، معتقداً أن الشعب اللبناني بتلك السذاجة والحماقة التي عليها متخذو القرار . لكن في المقابل يدرك عرب مجلس تعاون الدول الخليجية ، أن قراره هذا لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ، إذ لا مفاعيل قانونية له ، حسب ما يؤكد خبراء ، إذ أنّ حزب الله ، وحسب كافة القوانين الدولية و''اتفاقية جنيف الثالثة'' ، حزب مقاوم ويقاتل «إسرائيل» في حربها المعلنة على لبنان . يضاف إلى ذلك أن لبنان ''يعترف في بيانه الوزاري الحالي كما في البيانات السابقة، بالمقاومة، وبالتالي فإن كل المكوّنات السياسية الموجودة في الحكومة تعترف بهذا الأمر أيضاً'''، ولذلك ''القرار سياسي''، فـ ''الحزب خلال كل عمله المقاوم لم يرتكب أي عملية إرهابية ليتمّ وصمه بالإرهاب''، ويضيفون : إن ''ادعاءات دول مجلس التعاون، لا تشكل إدانة لكونها لا ترتبط بأي براهين''. كما أنّ أبناء وجمهور ومناصري المقاومة اللبنانية ، لا يعبؤون بمثل هذه القرارات، ومن يكن في رصيده أكثر من ثلاثين عاماً من التحدي والصمود والمقاومة والبطولة والانتصارات لهو أكبر بكثير من أن تهزه أو تخيفه قرارات اتخذها أصحابها مرغمين صاغرين غير مقتنعين بها لاسترضاء هذه الجهة أو تلك .
علينا أن نعترف ، اليوم ان هناك أسبابا حقيقية تدعو إلى بقاء المقاومة اللبنانية وغيرها من المقاومات الوطنية، وأهميتها وضرورتها تكمن في فترات الضعف العربي العام الذي نعيشه، ونسوق في الحجج والبراهين والمسوِّغات ما يقوم به العدو الصهيوني هذه الأيام بأعمال أكثر من استفزازية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، حيث يذهب إلى أكثر من التهويد والعمل على تقسيم حرم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، كما قسَّم مسجد مدينة الخليل ومقام إبراهيم هناك ... وهو يتخذ في هذه الأيام قرارات لا يمكن التصديق بأن عاقلا يتخذها، مثل قرار «الكنيست الإسرائيلي» بأن تشرف دويلة الاحتلال ، التي أعلنت عن ضم القدس إليها سابقاً، على المسجد الأقصى: ''أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين''، مستغلة الأوضاع العربية والإسلامية السيئة، والانقسامات الكبيرة الخطيرة في الصفوف، والاحتراب العربي العربي، والعربي الإسلامي، اللذين أهدرا كرامة الأمتين وحقوقهما في الخافقين، وأضعفا كل عربي ومسلم، وأهدرا دماً زكياً في معارك خارجة على مفاهيم الدين ''الإسلام'' وقيمه وتعاليمه... معارك تجري في سوريا وفي العراق واليمن وليبيا وفي أقطار عربية وإسلامية أخرى لا تخدم سوى أعداء العروبة والإسلام، وترفع من شأن الظَّلَمة والفاسدين المفسدين من الحكام وحواشيهم ومن أمراء الفتنة ومواليهم، وتعلي شأن تحالفاتهم مع أعداء الأمتين والدين على كل شأن وتواليهم، مما نهى الله عنه في تحذير واضح صارم قاطع، وذلك قوله تعالى في كتابه العزيز: ''لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ”. آل عمران : ٢٨
وكم هو موجع و مفجع أن تنشغل فضائيات الفتنة ، وإعلام التضليل والتغفيل في محاربة المقاومة الإسلامية ، أو الإسلام المقاوم الذي يتكرس بالكامل لمكافحة العدو الصهيوني... مقابل التطبيل والتبجيل للإسلام الوهابي التكفيري الذي لا يجد نفسه، أو يفعل أفاعيله، أو يرفع رايات جهاده، أو يحشد جماعاته وعصاباته، إلا في ديار العرب، وفوق تراب مصر واليمن وسوريا وليبيا والعراق... تاركاً لـ«إسرائيل» الليكودية والتلمودية، أن تهود القدس، وتصادر الأقصى، وتبتلع الأراضي الفلسطينية تدريجياً وعلى مهل وبالتقسيط المريح !
أمام كل ذلك لا يسعنا إلا أن نقول : إنّ القرارات دائماً تكتب بحبر أو على أجهزة الكومبيوتر، أما العقل فهو للميدان المتصل بشوارع وساحات الوطن والشعب الذي لم تعد تزعجه التسميات والصفات والشتائم التي تعبر عن الجهات التي صدرت عنها وعن الضيق والغضب أمام فشل كل محاولات القضاء على المقاومة. فالقرار الخليجي لن يؤثر على حزب الله تماماً مثلما لم يؤثر سابقاً على فصائل المقاومة الفلسطينية حين وضعتها أوروبا وأمريكا وحليفتهما «الإسرائيلية» على ''قائمة الإرهاب'' والمقاومة الوطنية اللبنانية مثلما هي المقاومة الفلسطينية، مشروعة، مشروعة ، مشروعة شاءت أمريكا و«إسرائيل» ودول الخليج .. أو لم يشاؤوا !

الأكثر قراءة الأخبار {0}
عناوين مختارة