في ذكرى عاشوراء الحسين .. أرقام مليونية لها دلالات!

فی ذکرى عاشوراء الحسین .. أرقام ملیونیة لها دلالات!

حسب التقديرات الرسمية وغير الرسمية العراقية، احتضنت مدينة كربلاء المقدسة ما يتجاوز ستة ملايين زائر لاحياء ذكرى واقعة الطف الخالدة هذا العام.

وبحسب التقديرات-ايضا-فإن مايقارب المئتي الف زائر من بلدان اسلامية عربية وغير عربية شاركوا هذا العام في مراسيم احياء ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام .

ولعل الستة ملايين هم فقط الذين تواجدوا في كربلاء خلال يومي التاسع والعاشر من محرم، ولم يشتمل على ملايين احيوا الذكرى في مدن فيها مراقد دينية مقدسة مثل النجف الاشرف والكاظمية وبابل وسامراء وبلد وغيرها، الى جانب مراسم الاحياء في اماكن العبادة المختلفة.

  وتشير التقديرات الى مشاركة ما يناهز خمسة وعشرين مليون شخص في العراق بإحياء ذكرى عاشوراء بأشكال ومظاهر مختلفة، من بين العدد الكلي للسكان المقدر حاليا بستة وثلاثين مليون شخص.

   وتشير التقديرات الرسمية ايضا الى مشاركة الف وخمسمئة موكب حسيني في احياء تلك المناسبة الاليمة، مئتان منها متخصصة في تنظيم مواكب اللطم، والبقية الاخرى تمحور عملها بتقديم الطعام والشراب والدواء واماكن الايواء والمبيت للزائرين.     

   ووفق التقديرات الرسمية، شارك ثلاثة ملايين ونصف المليون زائر في ركضة طويرج المشهورة. 

   وبحسب التقديرات، شارك اكثر من مئتي الف عنصر امني من تشكيلات الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الارهاب والامن الوطني والحشد الشعبي في اطار الخطة الامنية لتأمين حماية الزائرين.   

   وتنطوي مثل تلك الارقام على دلالات غاية في الاهمية، سيما وانها ترتبط باستذكار شخصية عظيمة مثل شخصية الامام الحسين عليه السلام، وترتبط بواقعة او وقائع تأريخية مثلت منعطفا حاسما في تأريخ الاسلام والبشرية في اطار الصراع الازلي بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الخير والشر.

   وفي جانب اخر ترتبط تلك الدلالات المهمة بمجمل الاوضاع والظروف التي واجهها العراق والعراقيون في مراحل مختلفة، خصوصا مرحلة الاعوام الثلاثة عشر الماضية التي اعقبت الاطاحة بنظام صدام، حيث تعرض عموم العراقيين، وتحديدا اتباع اهل البيت عليهم السلام الى حملات استهداف واسعة تمثلت بعمليات القتل بصور واساليب واشكال مختلفة، والاختطاف والتهجير القسري والتعرض لعلمائهم وقادتهم الدينيين، وتدمير الاضرحة والمراقد المقدسة لائمتهم الاطهار.

   ولم تكن حملات الاستهداف غامضة في اهدافها ودوافعها، لان الاطراف المخططة والمنفذة بدءا من تنظيم القاعدة، مرورا ببقايا حزب البعث المنحل، وما يسمى بالجيش الاسلامي وكتائب ثورة العشرين، وحماس العراق، وغيرها، وانتهاء بتنظيم داعش الارهابي، لم تتحرج ولم تتردد في معظم الاحيان من التصريح بنواياها العدوانية ضد اتباع ومحبي اهل البيت عليهم السلام.

   ويتذكر الكثيرون التفجيرات الدموية التي استهدفت زوار كربلاء والكاظمية صبيحة العاشر من محرم الحرام قبل احد عشر عاما، ويتذكر الكثيرون ايضا كارثة جسر الائمة التي وقعت في ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم عليه السلام في عام 2005 واودت بحياة اكثر من الف زائر، ويتذكر الكثيرون كذلك العمل الارهابي الذي تسبب بتدمير جزء كبير من مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء في الثالث والعشرين من شهر شباط-فبراير من عام 2006، والعمل الارهابي الاخر المماثل له الذي استهدف المرقدين الشريفين بعد اقل من عام تقريبا على وقوع العمل الارهابي الاول.

   وهذه في الواقع نماذج وعينات لا يمكن ان تمحى من ذاكرة اتباع اهل البيت عليهم السلام، فضلا عن المسلمين والانسانية عموما.

   واللافت في هذا العام هو زيادة اعداد الزائرين الى كربلاء من مختلف مدن ومناطق العراق، وتدفق الالاف من دول الخليج [الفارسي] وباكستان والهند وايران ودول اسلامية اخرى، وحتى غير اسلامية، رغم ارتباك الاوضاع الامنية في العراق.

   ليس هذا فحسب، بل لوحظ ان الكثير من ابناء المذاهب الاسلامية الاخرى قاموا بإحياء الشعائر الحسينية ومشاركة اتباع اهل البيت في ذلك، من خلال طبخ الطعام وتقديمه للزائرين، وتوفير الخدمات والتسهيلات لهم، وتأمين حمايتهم حين مرورهم في مناطقهم، الى جانب اهتمام وحرص خطباء وعلماء الدين من تلك المذاهب على تسليط الاضواء على الثورة الحسينية بجوانبها المتعددة سواء من خلال منابر الصلاة، او عبر وسائل الاعلام، وكذلك قيام شخصيات واحزاب سياسية تمثل في الاطار العام الكيان السني باصدار بيانات بالمناسبة تتضمن تبجيلًا وإشادة بشخصية الامام الحسين عليه السلام وثورته العظيمة.

   واكثر من ذلك كله فان بعض من ابناء الاقليات الدينية كالمسيحيين والصابئة ساهموا بإحياء ذكرى عاشوراء الامام الحسين، وهو تقليد ربما كان متبعا وقائما من قبلهم لكنه انحسر في عهد النظام البعثي السابق الذي كان يحارب الشعائر الحسينية ويضيق على المشاركين فيها، وخلال الاعوام التي اعقبت سقوطه وشهدت اوضاعا امنية متأزمة كان العامل الطائفي والمذهبي احد ابرز عناوينها الرئيسية.

   ومثلما قال الكثير من رجال الدين، ورجال السياسة والمثقفين وعامة الناس، فإن مظاهر احياء ذكرى واقع الطف لهذا العام في العراق عكست في جانب منها شمولية مبادئ وقيم الثورة الحسينية وبعدها الجهادي والانساني، وفي جانب آخر عكست الارتباط الحقيقي للمسلمين، وبالخصوص اتباع اهل البيت عليهم السلام داخل العراق وخارجه بقضية الامام الحسين عليه السلام، واستعدادهم للتضحية من اجل ترسيخ الاهداف والمبادئ والقيم التي ضحى واستشهد هو واصحابه واهل بيته من اجلها، ولعل مصاديق الاستعداد للتضحية من قبل ملايين الناس واضحة وجلية ومؤثرة.

   ولعل واحدة من المفردات المهمة التي شغلت حيزا في مراسيم وفعاليات احياء ذكرى واقعة الطف هذا العام، هي استحضار شجاعة وتضحية الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه، في معركة الوجود التي يخوضها العراقيون بكل مكوناتهم واتجاهاتهم ضد تنظيم داعش الارهابي منذ اكثر من عامين، والتي يبدو اننا نعيش فصولها الاخيرة قبل اعلان الهزيمة النهائية والكاملة لداعش في نينوى-كربلاء.

المصدر: العهد

/انتهي/ 

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة