إغتيال في أنقرة...تركيا ليست بخير

إغتیال فی أنقرة...ترکیا لیست بخیر

في الطائرة التي تقلّه إلى موسكو رنّ هاتف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي كان في طريقه للإجتماع الثلاثي مع نظيريه الإيراني والروسي،"قُـتل السفير الروسي على يد رجل أمن تركي" سقط الخبر كصاعقة على الوزير الذي سيبقى عهده موسوماً بهذه الحادثة الدبلوماسية الخطيرة.

ما من وزير خارجية يرغب أبداً أن يكون في مكان جاويش أوغلو، بلّ في مكانه في تلك اللحظة، وهو الذي سيقف بعد دقائق في مواجهة المسؤولين الروس المفجوعين بمقتل رسولهم إلى بلاد الترك.

ساعة تقريباً قبل أن يُرن هاتف طائرة جاويش أوغلو في السماء، على الأرض، تحديداً في العاصمة أنقرة، يدخل شاب عشريني يرتدي بذة سوداء إلى قاعة تشهد إفتتاح معرض صور فوتوغرافية بعنوان: من شبه جزيرة كامشتكا إلى كاليننغراد، روسيا في عيون الأتراك.

تقول صحيفة حرييت التركية إنه رفض المرور عبر جهاز الكشف عن المعادن وأن الحرس وافقوا على ذلك بعد إبرازه بطاقته الأمنية، فمولود ميرت الطينطاش ليس سوى شرطياً وكان قد تقدّم بطلب إجازة قبل يوم من الهجوم، إستأجر غرفة في فندق مجاور لمسرح الجريمة وإستقر بإنتظار لحظة الصفر التي حددها لنفسه.

يسمّر السفير أندري كارلوف ناظريه على اللوحات الموزعة في المعرض، هو بالمناسبة سفير فوق العادة وخدم سابقاً في كوريا الشمالية التي يتحدث لغتها. يمشي قليلا ثم وبعد إكتمال الحضور يبدأ بإلقاء كلمته بهدوئه المعتاد، تماما كما يصفه السفير البريطاني في أنقرة ريتشارد مور،  يتحدث ويترك الفرصة للمترجم لإيصال الفكرة.

كارلوف يشارك دوما في المناسبات، حينا تجده في جامعة أتيليم يتحدث عن العلاقات الروسية التركية، وحيناً آخر يكون في مؤتمر إقتصادي تركي روسي، وأحيانا يقوم بزيارات إلى المسؤولين الأتراك، "كان رجلا مضيافاً" يضيف نظيره البريطاني على "تويتر".

إستفاد ميرت الطينطاش من ثغرة أمنية، دخل في منطقة برزخية بين أمن السفارة والشرطة وكلاهما ربما ظنّ أنه يتبع للآخر. هكذا ضاع الأمر بين الإثنين ووقف القاتل في الموقع الأمثل، خلف ظهر السفير الذي ما أن صمت مجدداً ليتحدث المترجم حتى كانت الرصاصات تستقر في قلبه. خرّ أندري كارلوف صريعا! إغتيال أمام العدسات، ميرت ألطينطاش يصاب بهستيريا ما بعد القتل وما قبل الموت، يلقي خطابه المفترض وبعدها يدخل في مواجهة مسلحة لربع ساعة تنتهي بصورته مضرجا بالدماء.

دقائق بعد بدء السفير كارلوف كلمته وصل المصور المخضرم برهان اوزبلشي الذي كان متجهاً من مكتبه إلى منزله، وبما أنّ المعرض على طريق بيته قررّ الدخول لأخذ بضعة صور للسفير قد تكون مفيدة لمواضيع متعلقة بالعلاقات التركية الروسية. يقول أوزبلشي في قطعة كتبها لوكالته الأسوشيتد برس " كان يتحدث بهدوء وحبّ عن موطنه، كان يفسح المجال أمام المترجم لينقل كلامه إلى التركية، وأذكر كيف أني فكرت بيني وبين نفسي كم هو هادئ وكم يبدو متواضعاً".

يضيف المصور الذي حولته الحادثة إلى نجم صحفي "ثم جاءت طلقات نارية متلاحقة أثارت الرعب بين الحضور. جسد السفير أصبح ملقى على الأرض على بعد أمتار قليلة مني، لم أر دماء." يُكمل برهان قصته شارحاً تفاصيل الحادث وكيف تقدم خطوات قليلة رغم خوفه ليلتقط الصور الأثمن في مسيرته الصحفية، "كنت أفكر أنا هنا، حتى لو أُصبت أو قُتلت، أنا صحفي، عليّ أن أقوم بعملي." المفاجأة انه لم يكن منتبها إلى أن القاتل كان يقف خلف الضحية "وأنا أراجع الصور في المكتب صُدمت وأنا أراه يقف خلف السفير بينما كان يتحدث، تماماً كصديق، كمرافق شخصي".

حطت طائرة مولود جاوييش أوغلو في موسكو، من حسن ظن الوزير التركي أن معظم ما كان يجب ان يقوم به كوزير خارجية جرى وهو في معلّق بين السماء والأرض. الرئيس الروسي ونظيره التركي تحادثا، فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان إتفقا على ان إغتيال السفير هدفه إيذاء العلاقات الثنائية.

تقدم جاوييش أوغلو ومحمد جواد ظريف وسيرغي لافروف حاملين الورود لوضعها بالقرب من صورة السفير المغدور. الدم في أنقرة صبغ اللقاء الثلاثي حول سوريا. يعلم لافروف وظريف ان الأتراك ليسوا في حالة تجعلهم يبالغون في مطالبهم، بل هم في وضع يجعل من التنازلات خير مؤشر على حسن نيتهم.

الأرجح أن تنحى أنقرة من الآن منحى الطمئنة بدل التصعيد، لكنها من الآن وصاعداً وإن حصرت مستوى التوتر مع الشركاء في حده الأدنى لكنها ستكون أمام تحدٍ أكثر خطورة، إنفلاش حالة الإنفعال لدى شرائح المواطنين المتأثرة بخطابات الرئيس أردوغان خلال السنوات الخمس الماضية.

يخوض الرئيس التركي على أكثر من جبهات معارك قاسية. في الداخل مع جماعة الداعية فتح الله غولن الذي يتهم القاتل بالإنتماء إلى تياره. وفي داخل حزب التنمية والعدالة صراع آخر مع الطامحين لمستوى أفضل، إلى الجنوب الشرقي معركة طاحنة وإستنزاف لا يزال في مستواه الأول في سوريا، وعلى الجهة الثانية إشتباك دبلوماسي مع العراق وحرب داعش التي لا يبدو ان لها نهاية قريبة.

وفي الشرق  يبقى التحدي الكردي والحرب الدائرة مع المسلحين الأكراد والتي تخاض بعيداً عن الكاميرا. معركة أخيرة وهي الأكثر تأثيراً يخوضها أردوغان، معركة الإستقرار الداخلي الذي يبدو هشاً إلى درجة لم يعد فيها يوم يمرّ في البلاد دون صوت رصاص... بإختصار تركيا ليست بخير.

المصدر: الميادين نت

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة