واشنطن ـ طهران... مرة أخرى

واشنطن ـ طهران... مرة أخرى

التهديدات التي يطلقها الرئيس اليميني المتطرف «ترامب» والقول بأنه ليس أوباما وإنه الأقوى والقول بأنه سيلغي الإتفاق النووي مع طهران، أو يعمل على تعديله أو إعادة فتحه. الجميع يدرك بأنه سيصطدم برفض إيراني. وربما تهديدات «ترامب» لن تصل حدّ الخيار العسكري على أرض الواقع، فهو يبدو في خطابه وتراجعه عن قراراته، في أكثر من قضية، غير متزن واهوج.

من الواضح أن الإدارة الأميركية اليمينية المتطرفة تتخبّط. ويغلب على خطواتها وقراراتها الطابع الإرتجالي، حيث نجد أنّ الرئيس الأميركي الجديد، واصل إطلاق تهديداته في اكثر من اتجاه. وهي شملت روسيا والدول الأوروبية وإيران والدول العربية والإسلامية والسلطة والشعب الفلسطيني وحتى المهاجرين وسكان أميركا من أصول غير أميركية. وما أن قامت طهران بتجربة ناجحة لإختبار صواريخ باليستية جديدة، حتى اطلق الرئيس الأميركي سيل تهديداته تجاهها، بأنه سيعمل على الغاء الإتفاق معها حول برنامجها النووي، لتعارضه مع المصالح الأميركية العليا في المنطقة. وقد سبق ذلك منع رعايا إيران من دخول الأراضي الأميركية، في إطار قرار شمل رعايا سبع دول عربية واسلامية، بحجة «أنّ لها علاقة بدعم الإرهاب».

ترامب، قبل توليه مقاليد الحكم، قال بأنّ الأولوية عنده هي لمحاربة الإرهاب وما يسمّى «الإرهاب الإسلامي»، مع التركيز على «داعش». وهو سيتعاون مع الدول التي تحارب الإرهاب فعلاً وقولاً: روسيا وسورية.

نحن نعلم جيداً بأنّ الإتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، هو اتفاق دولي 5+1 وأميركا لا تمتلك القدرة على إلغائه لوحدها. وكذلك، هي لا تستطيع أن تجند المجتمع الدولي لفرض عقوبات أممية وشاملة على طهران، كالتي كانت عليها قبل 35 عاماً. خمسة وثلاثون عاماً من الحصار، لم تنكسر إرادة الشعب الإيراني والقيادة الإيرانية. ولم تتخلّ عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية. والحصار والعقوبات لم يجبراها على التراجع والانطواء. واقتصادها لم ينهار، بل استطاعت أن تكيّف اقتصادها وفق الحصار. ولم تتخلّ عن أصدقائها وحلفائها، بل كانت تقدّم لهم المساعدات في مختلف المجالات والميادين. وفي الحصار تمدّدت وتوسّعت طهران إقليمياً وغدت قوة مركزية في المنطقة، لها مصالح وصاحبة قرار في أكثر من شأن وساحة، من افغانستان، مروراً بالعراق وسورية ولبنان وحتى اليمن.

وقد ضغط العديد من الدول في مقدّمتها «اسرائيل» ومشيخات النفط العربي وتركيا وفرنسا وبريطانيا على واشنطن، من أجل شنّ هجوم عسكري على طهران، لتدمير ترسانتها ومفاعلاتها النووية والعسكرية والصاروخية، لكن كل تلك الضغوط والإغراءات والرشاوى المالية والإقتصادية الضخمة، التي قدمتها دول الخليج العربي السعودية وقطر والإمارات لم تفلح في دفع واشنطن لشن حرب على طهران، لأنها على قناعة بأنّ الكلفة التي ستدفعها في تلك الحرب، أعلى بكثير من التوصل إلى اتفاق مع طهران، يحفظ ويراعي مصالح واشنطن في المنطقة.

الإدارات الأميركية، السابقة، جرّبت كلّ الطرق والوسائل، لثني إيران عن برنامجها النووي ولم تفلح في مساعيها. وفي تلك الفترة، كانت أميركا شرطي العالم وحشدت كلّ دول العالم حول العقوبات، التي فرضتها على إيران. واليوم الصورة تبدو مختلفة تماماً، روسيا قوة رئيسية ومقررة على الساحة وكذلك الصين ولهما مصالح مشتركة مع إيران وتحالفات في أكثر من قضية. وكذلك، الدول الأوروبية، لا تبدو مواقفها متطابقة مع الإدارة الأميركية الحالية وهي أكبر شريك اقتصادي لطهران. ولذلك، الحديث عن عقوبات جديدة على طهران لن يجدي نفعاً.

ناهيك عن أنّ تقرير وكالة الطاقة الذرية، يقول بأنّ طهران ملتزمة تماماً بالاتفاق. وبرنامجها الصاروخي وإجراء تجارب على صواريخها الباليستية، لا يشكل خرقاً له.

التهديدات التي يطلقها الرئيس اليميني المتطرف «ترامب» والقول بأنه ليس أوباما وإنه الأقوى والقول بأنه سيلغي الإتفاق النووي مع طهران، أو يعمل على تعديله أو إعادة فتحه. الجميع يدرك بأنه سيصطدم برفض إيراني. وربما تهديدات «ترامب» لن تصل حدّ الخيار العسكري على أرض الواقع، فهو يبدو في خطابه وتراجعه عن قراراته، في أكثر من قضية، غير متزن واهوج. كما حدث في قضية منع الهجرة ومنح تأشيرات لرعايا سبع دول عربية واسلامية، حيث قضائياً، رفض وأبطل قراره. ولذلك، هذا قرار ليس أكثر من استهلاك محلي، أو ربما يريد أن يخفف من حدة الضغوط الواقعة عليه من «إسرائيل» والعديد من الدول الخليجية العربية، التي تطالبه بإلغاء الإتفاق مع طهران وشن حرب عليها. هو يدرك بأن نتيجتها ستكون باهظة ومكلفة ومدمرة. فـ«إسرائيل» هاجسها الأول إيران وذراعها التنفيذي في المنطقة حزب الله. ودول الخليج، يريد ترامب أن «يستحلبها» مالياً. ولذلك، دائماً إيران «البعبع» والهاجس لهذه الدول، بأن امنها واستقرارها مهددان من إيران. وترى بأن إيران هي من تدعم جماعة «أنصار الله» الحوثيون في اليمن والثورة على الظلم والطغيان الذي تمارسه القيادة البحرانية بحق أغلبية الشعب البحراني.

اعتقد بأن الهدف المباشر لواشنطن والدول المتحالفة معها، تحديداً مشيخات النفط الخليجي و«إسرائيل» وتركيا، هو الحدّ من النفوذ والدور الإقليمي الإيراني المتصاعد في المنطقة، فإيران مقررة في اكثر من ساحة: العراق وسورية ولبنان واليمن وحتى فلسطين. وهي شريك رئيسي للجيش العراقي في الحرب على «داعش» هناك. وبالتالي، بعد تطهير العراق من «داعش» ستكون العراق ساحة من ساحات النفوذ والمصالح الإيرانية. ولذلك، السعودية، التي كانت متنفذة في العراق، تبحث لها عن دور من خلال أميركا، بحيث يكون النظام السياسي في العراق، ما بعد «داعش»، أكثر توازناً سياسياً. وأنا أعتقد بأن طهران لن تمانع في ذلك. أما في سورية، فأيّ محاولة لتقليص مساحة الدور والنفوذ الإيراني في دمشق، ستمرّ عبر البوابة الروسية، بمعنى من دون تقارب أميركي- روسي، لن يكتب أي نجاح للمساعي الأميركية هناك، خصوصا أنّ الروس حذرين جداً في تعاملهم مع «ترامب» وسياساته، فهو يطرح إعادة شبه جزيرة القرم الى أوكرانيا، اذا رغبت روسيا في التعاون مع واشنطن ورفع العقوبات عنها.

دول الخليج وتركيا و«إسرائيل» تبدي حماسة منقطعة النظير للتصعيد الأميركي ضدّ إيران. ورئيس «الموساد» ونائب مستشار الأمن القومي «الإسرائيلي» التقيا مع مستشاري ترامب مرتين، للتحريض على إيران والعمل على إلغاء الإتفاق معها حول برنامجها النووي. وهذه الأطراف لديها اعتقاد بأن هذه التهديدات والتشدد الأميركي ضدّ إيران، قد يمكنها من تحسين شروطها ومواقفها التفاوضية في أكثر من قضية في سورية ولبنان واليمن. ولكن ما يحكم ذلك ليس التشدّد اللفظي والتهديدات، بل القوى الموجودة على الأرض، هي ستكون العامل المقرّر في النهاية.

على ضوء ذلك، المواجهة والتصعيد بين طهران ومحور حلفائها، مع أميركا ومحور حلفائها، ستشهد مرحلة جدية من التصعيد، في أكثر من ساحة، تحديداً في سورية والعراق واليمن. وهذا التصعيد في معمعان المعارك، ربما يحدث اصطفافات وتحالفات جديدة، استناداً للمصالح. وربما الدول المرشحة للتغيير في مواقعها وتحالفاتها هي مصر وتركيا، بالانشداد والتحوّل لصالح التحالف الإيراني. أما روسيا، فربما تحسم ذلك لصالح إيران، اذا ما أصرّ ترامب على فرض عقوبات على روسيا وإعادة فتح موضوع جزيرة القرم. وستدفع شعوب المنطقة ومجتمعاتها أثماناً باهظة لهذه الجولة التصعيدية، قبل أن تعود الأطراف للاقتناع من جديد، بأنّ «الإلغاء» و«الشطب» ليس خياراً. وأنّ «الحسم العسكري» ليس نزهة قصيرة. وأنّ البديل الوحيد لفوضى الاحتراب المذهبي وصراعات المحاور وحروب المعسكرات المتقابلة، هو السير بخطى حثيثة نحو منظومة إقليمية للأمن والتعاون.

صحيفة البناء: راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

/انتهى/

 

 

 

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة