ثلاثة سيناريوهات مطروحة إزاء الصراع السعودي القطري

ثلاثة سیناریوهات مطروحة إزاء الصراع السعودی القطری

خاص/ تسنيم: منذ استعار الأزمة بين دول الخليج الفارسي وانفراط عقد مجلس التعاون الخليجي، إثر شن السعودية والإمارات هجوما سياسيا واعلاميا ضد قطر، حاولت الاخيرة التراجع أولا، ثم بدت وكأنها لن ترضخ للضغوطات.

منذ أن نُشر بيان لامير قطر عبر وكالة الأنباء القطرية ونقله التلفاز القطري بالإضافة الى منصات التواصل الاجتماعي، أبدى الاعلام السعودي موهبة كبيرة في الانقضاض على قطر، وشن حملة اعلامية شديدة، كشفت عن استعدادات مسبقة لهذه الهجمة خلف الكواليس، توحي بأن السعودية كانت على علم بما سيحصل، وربما لها يد فيه بالنظر الى ما أعلنه النائب العام القطري علي بن فطيس المري، حيث أكد ان بلاده تمتلك معلومات وأدلة تكفي لاتهام "دول الحصار"، بـ"المشاركة في اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية"، أو انها كانت تتوقع تمرد قطر بعد محاولة السعودية تسيد الدول العربية وضم قطر تحت جناحها.

في بداية الأزمة، سارعت السعودية للاستنجاد بحليفتيها الإمارات وامرت البحرين بالتعاون في هذا الملف، وادخلت السعودية مصر السيسي الى خط الأزمة، مستغلة الصراع بين السيسي والاخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر، فكانت النتيجة هي سحب سفراء البلدان الأربعة من قطر، وقطع العلاقات معها واتهامها بدعم الارهاب وكل ذلك بدأ بسبب بيان أيدت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس، ضم اعترافا بإن إيران ثقل اسلامي في المنطقة.

قطر حاولت تعديل موقفها اثر الضغوط التي ربما لم تكن تتوقعها، ولكن الماكنة الاعلامية المصرية دخلت على الخط لتهاجم قطر، وزاد الطين بلة موقف الحكومة المصرية الداعم للسعودية على حساب قطر، والحصار الذي فرضته الدول الأربعة على قطر، مما جعلها تبدو في موقف الضعيف، وهذا ما رفضته حكومة قطر التي تتمتع بصلات قوية مع لوبيات فعالة على مستوى المنطقة والعالم، وبالتالي كفت قطر عن محاولات التملص من التصريحات التي ادعت انها جاءت نتيجة اختراق موقع وكالة الانباء القطرية، واخذت تتعامل مع الاحداث بالمزيد من الواقعية.

بعد شد وجذب واغلاق المطارات الجوية، الموانئ، سحب السفراء، واعتبار القطريين أشخاصا غير مرغوب بهم في السعودية، وقائمة مطالب سعودية بسقف عالٍ جدا ينتهك سيادة قطر ويحرمها من كل أسباب القوة والدفاع عن النفس: تجد المنطقة نفسها اليوم في مواجهة 3 سيناريوهات محتلمة:

السيناريو الأول: تحول الصراع السياسي الخليجي الى صدام عسكري؛

بالأرقام تتفوق السعودية على قطر عسكريا واستراتيجيا، فعدد سكان قطر الأصليين لا يتجاوز 300 الف مواطن، ومساحتها التي لا تتجاوز 11.521 كم² فإن قطر لا تملك عمقا استراتيجا ولا جيشا كبيرا لمواجهة السعودية عسكريا.

أما السعودية فهي مشغولة منذ اكثر من 800 يوم في الجبهة الجنوبية اثر الحرب التي شنتها على اليمن، ورغم انها كانت تتوقع تحقيق نصر سريع فيها إلا أنها أصبحت في وسط معركة استنزاف مرهقة، قد تمنعها من الدخول في مواجهة عسكرية أخرى على المدى المنظور.

تدعي السعودية بأنها الحليف الاول لامريكا في المنطقة، ومن المستبعد أن تقدم على خطوة كشن حرب على قطر التي تضم قاعدة أمريكية، إلا بعد الحصول على الضوء الأخضر، لكن هل سيشفع هذا الضوء الاخضر الامريكي للسعودية أكثر مما شفع الضوء الأخضر الأمريكي لصدام عندما اجتاح الكويت؟!

من جهة أخرى، تزود قطر الاتحاد الأوروبي بالغاز، وجاءت المواقف الأوربية ما بين الداعم لقطر والداعي للحوار، مما يعني أن أوربا لن تسمح بحرب كهذه في المنطقة، وهي حرب سترفع أسعار النفط بالإضافة الى قطع امدادات الغاز؛ كما أن قطر رغم صغر مساحتها إلا أنها مؤثرة سياسيا واقتصاديا، وإن أي صراع عسكري في قطر لن يكون مثل ما حصل في اليمن، يل سيتطور الى صراع اقليمي وربما عالمي؛ مما يجعل السيناريو الأول الخيار الأخير.

السيناريو الثاني: رضوخ قطر للمطالب السعودية؛

أكدت دولة قطر، الجمعة، استلامها لورقة تتضمن مطالب الدول السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وأشارت الخارجية القطرية أن الاستلام تم الخميس 22 يونيو/حزيران 2017. وأشار بيان من وزارة الخارجية القطرية أن الدوحة تعكف حاليا على بحث ورقة المطالب والأسس التي استندت إليها لأجل "غرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت".

المطالب السعودية لم تُعلن رسميا، إلا أن التسريبات تشير الى أن قطر أُمهلت عشرة أيام لتحقيق 13 مطلبا قدمتها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر منها اغلاق الأذرع الاعلامية لدولة قطر ومنها مجموعة قنوات الجزيرة، قطع العلاقات مع الاخوان المسلمين، تسليم المعارضين السياسييين لأنظمة "دول الحصار"، تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران مما سيحرمها من امكانية المناورة في المستقبل للتخلص من القيود السعودية، يضاف الى ذلك المطالبة بدفع تعويضات إلى الدول المدعية عليها مقابل "الضحايا والخسائر" التي تكبدتها هذه الدول بسبب السياسة الخارجية لدولة قطر من دون ذكر حجم التعويضات وآلية تحديدها مما يُنذر بانقضاض هذه الدول على ثروات قطر. واشترطت هذه الدول "آلية" تتبع على مدى عشرة أعوام لضمان التزام قطر بهذه الصفقة.

ووصف مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر، سيف بن أحمد آل ثاني، هذه المطالب بـ "غير واقعية و "تهدف للحد من سيادة قطر"، وفيما اكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير أن مطالب الدول الاربعة من قطر غير قابلة للتفاوض، قال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن مطالب دول الحصار لبلاده لا أساس لها، وهي غير مقبولة، مضيفا: "ما تم تقديمه من دول الحصار مجرد ادعاءات غير مثبته بأدلة وليست مطالب" وشدد على أن "المطالب يجب أن تكون واقعية وقابلة للتطبيق، وإلا فلن تكون مقبولة". وهذا يعني أن السيناريو الثاني لن يتحقق هو الآخر، إلا برضوخ السعودية للمطالب القطرية وخفضها سقف المطالب.

السيناريو الثالث: استمرار التوتر بين الجانبين لفترة طويلة وتشكيل محاور جديدة في المنطقة؛

إن قائمة المطالب عالية السقف التي وضعتها السعودية وحددت مهلة 10 ايام فقط للقبول بها، يبدو أن المطلوب هو الرفض، وبالنظر تسرع السعودية في التصعيد ضد قطر، فإنها أصبحت كمن يمشي على المسامير، فتعجز عن التوقف، ويؤلمها التراجع ولا تستطيع المضي؛ أما قطر ففهمت اللعبة وسارعت الى توطيد العلاقة مع إيران واستقبلت العساكر الاتراك في رسالة واضحة للسعودية بأن عودي وإلا انفرط العقد، فيما تعجز الاخيرة عن اتخاذ خطوة تنهي الصراع بعد التصعيد الكبير الذي قامت به.

قطر الدولة صغيرة المساحة، لا ترغب بأن تكون بجوارها دولة تحاول فرض سيطرتها على المنطقة، وتشعر بالتهديد من المطامع السعودية القديمة المتجددة، وهذا ما دفعها لتحدي السعودية التي تريد أن تكون الشرطي الأمريكي في المنطقة، فالدخول في جلباب السعودية ليس خيارا لقطر، وتراجع آل سلمان عن التصعيد ضد قطر، سيكون صفعة مؤلمة لآل سلمان في بداية حقبة محمد بن سلمان، أما الولايات المتحدة فهي تجني ثمار هذا الخلاف، فعلى الرغم من توجيه ترامب اصابع الاتهام لقطر بدعم الارهاب، إلا أن نفس الأصابع وقعت عقدا تسليحيا مع قطر بقيمة 12 مليار دولار، وهو ما صمتت عنه الرياض، إلا أنها قد تحاول التزلف الى أمريكا بتوقيع معاهدات جديدة وهذا هو المطلوب بالنسبة الى واشنطن.

استمرار الأزمة بين الدول العربية آتى اولى ثماره للولايات المتحدة بالعقد التسليحي، فيما حصلت تركيا على قاعدة في قطر، أما العراق فأصبح ممرا للطائرات القطرية مما يعود عليه بمنافع اقتصادية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية انطلاقا من الدستور توجب عليها دعم الشعب القطري المحاصر وهذا التقارب بين البلدين قد يُسهم مستقبلا في حل الخلافات بينهما خاصة في الملفات الاقليمية؛ اما قطر ذاتها فقد ربحت الخروج من العباءة السعودية وعززت استقلالها، واثبتت انها تستطيع الدخول في محاور أخرى من اجل الاحتفاظ بسيادتها.

وأخيرا يجب القول بإن الأزمة إذا كانت من تخطيط قطر، فإن قطر ضربت السعودية ضربة استاذ في الوقت المناسب وانقذت نفسها في الوقت المناسب، واما إذا كانت الازمة من افتعال دول الحصار، فإنها ستعض أصابع الندم بخسارتها لاعبا قويا وتحويله الى خصم؛ على أية حال فإن استمرار التوتر وعدم رضوخ قطر وغياب الحل العسكري هو السيناريو المثالي لاطراف الصراع والولايات المتحدة في ظل نتائج الخيارين الآخرين.

بقلم ياسر الخيرو

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة