القضاء اللبناني يعيد نبش أحداث الحرب الأهلية


القضاء اللبنانی یعید نبش أحداث الحرب الأهلیة

طهران/ تسنيم// أعاد القضاء اللبناني نبش أحداث الحرب اللبنانية المنتهية منذ ربع قرن تقريبا وأعاد قضية اغتيال بشير الجميل الى الواجهة حيث أصدر حكما بالإعدام على كل من حبيب الشرتوني ونبيل العلم.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء أن القضاء اللبناني أحدث ضجة في لبنان عبر إصداره الحكم بقضية اغتيال الرئيس اللبناني السّابق بشير الجميل، ويشير حكم القضاء اللبناني الى ضرورة اعتقال منفذ عملية الاغتيال حبيب الشرتوني وتنفيذ حكم الإعدام به إضافة نبيل العلم الّذي يُعتبر المشجع والمحرّض للشرتوني لاغتيال بشير الجميّل.

هذا الملف وعلى عكس الكثير من الملفات التي أُغلقت بعد انتهاء فترة الحرب الأهلية اللبنانية، أحدث ضجة في الأوساط اللبنانية أعادت المجتمع في هذا البلد الى مرحلة الانقسام التي كان يعيشها إبّان الحرب الأهلية.

ويعتبر البعض أن اختيار الجلسات القضائية وآخرها جلسة الحكم في هذه القضائية هي جلسات استفزازية بسبب أن 25 تشرين الثاني بعد أيام على ذكرى تأسيس الحزب القومي (الذي ينتمي اليه الشرتوني والعلم) في 16 منه، 3 آذار بعد يومين على ذكرى ولادة رئيس الحزب القومي، (28 نيسان) بعد عدة أيام على ذكرى يوم ولادتي، 7 تموز يوم حوكم سعادة ونُفذ فيه حكم الإعدام فجر اليوم التالي، ما دفع ببعض المشاركين في التظاهرات التي واكبت الجلسات لأن يُبدوا استغرابهم واستهجانهم، وقد حُددت آخرها لصدور الحكم في 20 تشرين الأول لا الثاني حتى تكون مسك الختام ولا تندرجُ أيضاً بدورها على مقربة من مناسبة خاصة بالحزب، فتؤكّدُ المقصد وهو يمثِّلُ إهانةً لصورة الحزب وعقيدته ومؤسسه ورموزه.

إلّا أن الرّجل الّذي أودى بحياة الجميّل بكل "قواه" العقلية ليس إنسانا ساذجا فهو خريج الجامعات الفرنسية وتأثر بأفكار الحزب القومي التي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصّهيوني، وقد أثارت فيه مشاهد الجميّل الّذي وصل الى قصر رئاسة الجمهورية اللبنانية على الدبابة الإسرائيلية حيث كان هذا الكيان الصهيوني يدعم وصول الأخير الى رئاسة الجمهورية اللبنانية لما يحفظ لهم مصالحهم في لبنان. وإثر ذاك وضع المتفجرات في المقر الرئيس لحزب الكتائب في الطابق الثاني من المبنى الّذي يقطنه أيضا الشرتوني في طابقه الثالث وأنهى حياة الجميّل وكذلك عار التعامل مع الكيان الصهيوني من قبل رئيس الدولة.

مجرّد هذا التوضيح البسيط للقضية توضح الانقسام الحاصل في لبنان، ففي حين تعتبر الأحزاب المسيحية اللبنانية الى الشرتوني كمجرم قتل رئيس البلاد المسيحي وعلى هذا الأساس تصطف وسائل الإعلام المناصرة لهذه الأحزاب في مدح "الجميّل" وتجريم "الشّرتوني والعلم" ويعتبر البعض أن إثارة المسألة بعد كل هذا الوقت وإحالة الملف إلى القضاء جاءتا من جهةٍ كخدمة شخصية وعائلية يقدمّها العهد الرئاسي الجديد للمدّعين، وأيضاً في إطار كسب النقاط بين الأحزاب المسيحية وتسجيل العلامات بين التيار الوطني الحر وحزب الكتائب، بحيث سيُقال: ها أننا حاكمنا الذي قتل قائدكم فيما لم تحاكموه، وقد قمنا بواجبنا كاملاً وليس عليكم أن تعيّرونا بأي تقصير. وهذا مؤشر لاستصدار حكم بعقوبة قصوى في أقصر مدة زمنية. كما أنه يفسّر سلوك قضاة المجلس العدلي وعلى رأسهم جان فهد الذي يحاضرُ من جهة في القضاة الجدد عن استقلالية القاضي في تحكيم ضميره وعدم الانصياع لأي اعتبارٍ آخر، فيما يقول لأحد المحامين: تأتيني ضغوط مباشرة من بعبدا ولا أستطيع أن أفعلَ شيئاً.

وعلى المقلب الآخر يعتبر بقية اللبنانيين أن الشرتوني هو بطلا قد أودى بحياة عميل للكيان الصّهيوني ويقصدون بشير الجميل، وغسل عار تعامل رئيس الدولة اللبنانية مع مغتصبي حقوق الشعب اللبناني، وأدان هذا القسم من الشعب اللبناني هذا التصرف من القضاء اللبناني الّذي لو أراد أن يفتح ملفات الحرب الأهلية لكان معظم رؤساء الأحزاب الحاليين إمّا محكوم عليهم بالإعدام أو السّجن.

يقول مراقبون أنّ 27 سنة لم تكن كفيلة للبنانيين بطوي ملف الحرب الأهلية اللبنانية، وها هي اليوم أعادت فرز اللبنانيين الى الخنادق التي كانوا عليها في فترة الحرب الأهلية بأقل من يوم واحد على الرّغم من تغيّر جيل الحرب وظهور جيل جديد أغلبهم من الشباب المتعلّم الّذي لم يستطع تجاوز التركيبة اللبنانية منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920. وعلى الرّغم من تبدّل ساحات القتال بين شرق بيروت وغربها، استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تتكفّل بهذا الموضوع وتغيّرت وسائط الحرب من ازيز الرصاص الى تعليقات ومنشورات تشحن المجتمع اللبناني وتملك تأثيرا لا يقل عن إطلاق النار وصوت المدافع.

يذكر أن حبيب الشرتوني هو مسيحي ماروني ولد في قرية صغيرة تسمى شرتون بالقرب من عاليه، جبل لبنان، تأثر بالحزب القومي السوري الاجتماعي. عندما بدأت الحرب الأهلية، تطوع للخدمة في أحد مواقع الحزب في عاليه. بعد أشهر قليلة، نصحه أهله بمغادرة لبنان إلى قبرص ثم إلى فرنسا حيث درس في جامعة في باريس ونال شهادة في العمل. قضى عاما في باريس بعيدا عن السياسة، حتى أواخر صيف 1977 خلال زيارته إلى لبنان حيث انضم رسميا للحزب القومي السوري الاجتماعي وأصبح عضوا فاعلا منذ ذلك الوقت. عند عودته إلى فرنسا، قام بالاتصالات اللازمة مع ممثلي الحزب في فرنسا وبدأ بحضور اجتماعاته السرية، حيث التقى نبيل العلم، مسؤول الشؤون الداخلية في الحزب في ذلك الوقت. ترك علم انطباعا على الشرتوني، ما مهد الطريق لاغتيال بشير الجميل.

بعد انهاء دراسته في باريس، عاد إلى لبنان وأصبح مقربا من نبيل علم، الذي عمل على اقناعه باغتيال بشير الجميل، حيث كان الشرتوني يقطن في الطابق الثالث في المبنى الذي يقع فيه المقر الرئيسي لحزب الكتائب. نصحه علم بوضع المتفجرات في غرب بيروت في الأشرفية في شرق المدينة فوق مقر الكتائب. بعد أن حصل على المتفجرات اللازمة، أخذ المفجر من علم وعمل على نقلها بأمان إلى بيت عمته في الأشرفية، على بعد بضعة أميال من المقر. الشرتوني أخيرا عزم على تنفيذ العملية. في ليلة 13 أيلول 1982، تسلل إلى الطابق الثاني من المبنى حيث مكتب الكتائب في الأشرفية. تصرفه لم يثر أي شكوك بما أنه يقطن في الطابق الثالث من المبنى نفسه مع أخته وجديه. دخل إلى غرفة في يمين مكان يجلس فيه بشير ورفاقه ووضع حوالي 40 أو 50 كلغ من المتفجرات. في اليوم التالي حام الشرتوني حول المكان حيث كان من المعزم أن يلقي بشير خطابا على رفاقه، حتى تأكد من وصول بشير. توجه خارج المبنى وركض إلى حي النصرا، حيث يوجد المفجر. عشر دقائق بعد بدء البشير القاء خطابه ضغط الشرتوني المفجر. سمع صوت الانفجار في كل بيروت. بعد الانفجار عاد للموقع لتفقد النتيجة.

بعد يومين اعتقلت القوات اللبنانية الشرتوني. اعترف الشرتوني ابن الرابعة والعشرين بدون تردد أو خوف أمام مؤتمر صحفي قبل تسليمه للسلطات اللبنانية من القوات اللبنانية، وصف الشرتوني بشير بالخائن واتهمه ببيع البلاد لإسرائيل. قال الشرتوني: "لقد أعطيت المتفجرات ومفجرا بعيد الأمد في رأس بيروت من قبل نبيل العلم"(رئيس مخابرات الحزب. العلم كان مقربا من المخابرات السورية وفر إلى سوريا بعد الاغتيال واختفى) وقال: "انا حبيب الشرتوني اقر وانا بكامل اهليتي القانونية باني نفذت حكم الشعب بحق الخائن بشير الجميل وانا لست نادما على ذلك بل على العكس إذا اتى مرة أخرى فسوف اقتله وستصح مقولة لكل خائن حبيب وابشركم ان هناك ألف ألف حبيب لكل خائن عميل في بلادي". بعد تسليم الشرتوني للسلطات اللبنانية، خلف، أمين الجميل، أخيه الأكبر بشير مباشرة بعد الاغتيال. قضى الشرتوني 8 سنوات في سجن روميه بدون أي محاكمة رسمية، حتى 13 تشرين الأول 1990 عندما فر خلال الهجوم السوري الأخير من أجل إسقاط الحكومة التي ترأسها ميشال عون.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة