أزمة اللاجئين السوريّين صناعة «خليجية» بامتياز !


أزمة اللاجئین السوریّین صناعة «خلیجیة» بامتیاز !

تتباكى اليوم مشيخات وممالك النفط في الدول الخليجية على الوضع الإنساني للاجئين السوريين ، حتى فاضت كلماتهم بمشاعر تبكي لها أحجار الصوان ، دون أن يتجرأ أي منهم على ذكر السبب الحقيقي وراء نزوح من نزح من الشعب السوري ، كما لم يتجرأ أي منهم على القول أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون المرتزقة ضد الشعب السوري هي وراء النزوح ، ولم يأت منهم على ذكر أن أولئك المرتزقة المجرمين يقاتلون بسلاح تمدهم به حكوماتهم، ويأخذون رواتب من خزائن بلدانهم، ويقاتلون وفق فتاوى مشايخ فتنتهم.‏

وكتب الخبير الستراتيجي و الباحث المغربي "مصطفى قطبي" في مقال خص به وكالة "تسنيم" :

كانت سوريا و في كافة العصور ملاذاً آمناً لكل لاجئ أو مهجر من بلاد يسودها العنف أو العدوان العسكري أو انعدام التسامح الديني ، كما كانت ثالث أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم عاملتهم بأسلوب إنساني تام وفي فضاء من الأمان والحرية الدينية والمساعدات المتعددة، على الرغم من أنها لم تنضم إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
و لم تنشىء سوريا في تاريخها مخيمات لاستيعاب اللاجئين أو المهجرين ولم تطلق أي نداء استجداء أو إشارة تذمر على الرغم من محدودية إمكاناتها وان المفوض السامي ''غوتيريس'' كان يكرر وفي كل مناسبة إشادته بكرم وسخاء الحكومة السورية وشعبها في تحمل أعباء تلك الاستضافة.
و لم تعرف سوريا في تاريخها مشكلة المهجرين داخلياً باستثناء السوريين الذين هجرتهم «إسرائيل» من الجولان السوري بعد عدوان عام 1967 الغاشم، وأنها كانت ملاذاً آمنا لكل مهاجر قدم إليها من بلاد يسودها العنف والاضطهاد وعاملته بالترحاب والتسامح والمساعدة ودون أن تقيم مخيماً واحداً لاستيعابهم.
و نتيجة للأحداث المؤسفة التي حصلت في سوريا ، اضطر عدد من المواطنين إلى النزوح هرباً من جرائم المرتزقة وتدميرهم للبنى التحتية وكذلك نتيجة لقسوة العقوبات الظالمة التي فرضتها بعض الدول والمنظمات الإقليمية والتي استهدفت غذاءهم وصحة أطفالهم وتحصيلهم العلمي، كما أدت إلى توقف العديد من المشاريع والصناعات المحلية وانتشار البطالة الأمر الذي اضطرهم إلى النزوح. فالإرهاب التكفيري دخل البلاد بدعم وتمويل من السعودية وقطر والكويت...، والذي عمل على سفك دماء المواطنين الأبرياء وتدمير البنى التحتية والمرافق العامة والخاصة ومارس أساليب التهجير القسري على أسس مذهبية وطائفية بغيضة مما أسفر عن عواقب سلبية كارثية شملت جميع مناحي الحياة في سوريا أجبر عدداً من السكان على النزوح داخل البلاد وخارجها.
فقد انعكس هذا الوضع الميداني المؤلم بصورة كبيرة على الوضع الإنساني وأصاب الشعب السوري عميقاً في أمنه واستقراره ولقمة عيشه، وباتت أرقام اللاجئين السوريين التي تشهد ارتفاعاً يومياً أرقاماً صعبة في معادلة الأزمة السورية تضاف إلى الأرقام المسجلة حول أجيال سوريا الذين دقت بالأمس منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ناقوس الخطر من حرمان سوريا من طاقات أجيال من أطفالها وشبابها، ما يهدد بتحولها إلى دولة شائخة.
والتقارير الواردة عن الأوضاع الإنسانية للاجئين السوريين تبعث الألم والحزن أن يصبح هؤلاء اللاجئون عرضة للابتزاز والانتهاكات المتعددة، وعرضة للأمراض تنهش أجسادهم البريئة وعرضة للجوع والفقر يغرزان أنيابهما في أجسادهم المجهدة، إنها مأساة تعبر عن تناقضات كبيرة تتخم بطون الكلاب، وازدواجية السياسات الدولية والنفاق الدولي بخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا العربية .
فمن كان يصدق أن يرى سوريين مهجرين و مشردين من منازلهم ... ومن كان يصدق أن الملايين من الشعب السوري تتحول بين عشية وضحاها لقمة سائغة يفترسها الجوع والفقر، وقد كان الشعب السوري واحداً من الأمثلة على الشعوب العصامية التي تمكنت من أن تحقق اكتفاءً ذاتياً من الغذاء، بل إن الشعب السوري أحد المصدرين الأساسيين للفائض من غذائه ومنتجاته إلى الدول العربية؟
وما يؤسف له، أنه في الوقت الذي كان على مجلس التعاون الخليجي مراجعة سياساته الخاطئة والفاشلة التي تبناها تجاه الأزمة السورية، ولو مراعاة للجوانب الإنسانية للاجئين السوريين، إذا به يصر على مواصلة تلك السياسات الظالمة والفاشلة، ويصر بالتالي على مفاقمة أوضاع الشعب السوري جميعاً وإلحاق بهم الضرر، بتمويل الجماعات الإرهابية ورعايتها وتقديم كل أنواع الدعم لها، وهكذا يتحول الشعب السوري وأزمته كما تحول الشعب الفلسطيني وقضيته إلى تجارة لدى مجلس التعاون الخليجي الذي يأتمر بأوامر السعودية .
والأمر الذي يشير بوضوح ، هو أن هذه الدول التي تتباكى على المأساة التي يعيشها اللاجئون السوريون ، هي من ساهمت وتساهم في معاناتهم وتشريدهم عبر المساهمة في إطالة عمر الأزمة في سوريا و من خلال مواصلة فرض العقوبات الاقتصادية التي يتأثر بها الشعب السوري، وتالياً دعم العصابات المسلحة بالمال والسلاح وتشجيعها على مواصلة ترويع المواطنين وارتكاب الجرائم والمجازر ضد الأبرياء وبالتالي دفعهم لترك منازلهم ومناطقهم هرباً من جحيم العصابات التكفيرية التي استباحت كل المحرمات.
ومن المهم الإشارة ـ لمن يجهل أو يتجاهل ـ التأكيد أن الشعب السوري قبل الأزمة لم يكن بحاجة إلى من يقدم له مساعدة إنسانية ، وإنما كان المواطن السوري المثل الأبرز في الاعتماد على النفس في توفير لقمة العيش واستغلال أرضه والوفاء لها، فمأكله ومشربه وملبسه ومسكنه من أرضه، بل إن الشعب السوري كانت أياديه ممدودة بخيرات أرضه إلى أشقائه العرب من عرقه وكده، ويكفي أن سوريا لم تكن رهينة للمؤسسات الدولية الدائنة ولو بدولار واحد ، إلا أن حقد الحاقدين وإرهاب الإرهابيين وتبعية العملاء يرفض رؤية شعب سوريا بهذا الكفاف والعصامية والبذل والعطاء، ويكره أن تساند سوريا أشقاءها المظلومين الواقعين تحت براثن الاحتلال الصهيوني وتنافح عنهم، فكان خيارهم سكب زيت حقدهم وكراهيتهم ونار إرهابهم على النحو الذي نراه.
مؤلم ومحزن الإصرار على محاولات الدوس على الكرامة الإنسانية للشعب السوري، وتوظيف معاناته ومطالبه في هذه المحاولات الدنيئة والمتاجرة بأزمة سوريا في تكريس ضرب الكبرياء وإهانة مشاعر الاعتزاز والكرامة لدى المواطن السوري ، وذلك بهدف تغيير مواقفه من قضاياه الوطنية والقومية التي يرفض التخلي عنها أو حتى مجرد مساومته عليها، وبهدف ملء قلبه بالأحقاد والكراهية والكفر بكل ما هو سوري وعربي وقومي ، وبالتالي قتل المبادئ والقيم ومظاهر النخوة والشهامة والكرم والإباء والكبرياء، وكنزه بالانهزامية والخنوع والجبن والخوف والمهانة والذل ، ليكون مواطناً مستكيناً مهزوماً نفسياً مهزوز الثقة ، متقبلاً كل ما يملى عليه ، لا هوية ولا شخصية له، مطلوب منه أن يحمل مشاعر الأحقاد الطائفية والمذهبية العرقية ، لأن هذه المشاعر وكل هذه المثبطات والإحباطات هي التي ستجعل من سوريا سوريات أو كانتونات طائفية متناحرة خدمة للمشروع الصهيو ـ أميركي، وضمانة لنجاح مشاريع الهيمنة والاستعمار . إن التباكي على الشعب السوري من دول كالسعودية على سبيل المثل لا الحصر ، التي لم يعرف عنها احترام حقوق الإنسان أو الاعتراف بالمساواة بين البشر على الأقل في التعامل مع المرأة وحقوقها ، يظهر حجم النفاق و الخداع الذي تمارسه هذه الدولة وتوابعها من مشيخات وممالك النفط، ولو توقف هؤلاء المنافقون عن إرسال المال والسلاح للإرهابيين واحترموا ما يزعمونه من مساندتهم للحل السلمي ، فإن الحرب في سوريا ستتوقف وينتهي القتل، ويتفرغ السوريون لإتمام الإصلاحات التي يريدونها وفي الوقت نفسه وحدة وسلامة أراضي وطنهم .‏
لذلك يطالب السوريون ويؤكدون على إلزام آل سعود وحلفائهم بالكف عن التدخل في شؤونهم ، والتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية التي تمتهن قطع الرؤوس وتقطيع الجثث بالسواطير ، وهذه مسؤولية دولية وأميركية بشكل خاص ، بالنظر لأن الأميركيين هم الذين يشكلون الغطاء السياسي لممارسات آل سعود الإرهابية . هذا ما يريده السوريون، وما يعملون على أساسه للخروج من الأزمة، وهم في كل الأحوال لن ينسوا ولن يسامحوا، وسيجدون الوسيلة المناسبة للرد على أعدائهم إن لم يكن الآن فغداً حتماً، لأن دماء أبنائهم غالية جداً، ولا يمكن المساومة عليها.

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة