الدور التخريبي لممالك ومشيخات المال والنفط...!؟


الدور التخریبی لممالک ومشیخات المال والنفط...!؟

اكد الباحث المغربي "مصطفى قطبي" ان "وطننا العربي لم يصل في أي زمن مضى إلى هذه الحالة المزرية التي وصل إليها الآن ، ومن المضحك المبكي أن كثيرين فيه يعتقدون أن العالم العربي يعيش زهو ربيع ثورات ملونة بالورود والأحلام .. وللأسف ، ربيع معلق بحبال الأوهام التي ربطته أمريكا و«إسرائيل» بأعناق شيوخ الوهابية الذين يتجرؤون على الله بإصدار فتاوى تحل للمسلم من جماعة السواطير بقتل أي مسلم آخر يقول بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله... لأنه لا يقول قولهم في القتل والدم والتفجير وتخريب الأوطان .‏

و كتب هذا الباحث و الخبير الستراتيجي في مقال خص به وكالة "تسنيم" عن "الدور التخريبي لممالك ومشيخات المال والنفط" ، جاء فيه :
دماء عربية لا تزال تُسفك، وبعض المشجعين على المشهد، أو أبرزهم، عرب الجنسية، ليسوا كغيرهم من العرب، لأنّهم أثرياء بلغ بهم الغنى أعلى مراتب المجد المادي فتملكتهم عنجهية الثروة فأضحوا دعاةَ ثورة يعِدون شعوباً من غير بُلدانهم بالتقدم والرخاء، فيخلطون في وعودهم بين المثال والمادة، بين الشريعة، حسب تأويلهم الخاص لها، وبين المال لإرباك كل الأفكار والأنساق والأعراف والقيم والأحكام، فتُمسي الأخوّة عداداً سافراً، كأن اتخذت أراضي السعودية والبحرين وقطر... قواعد عسكرية ساعدت على تدمير العراق ومراقبة بلدان المشرق العربي ومغربه، والاستعانة بالأزمات الاقتصادية الناتجة عن العَولمة المتوحشة لتفجير الأوطان العربيّة من الداخل.
وعِوض أن يُستثمر المال العربي للتنمية ومحاربة الفقر والأميّة نراه سلاحاً، بل أعتى الأسلحة ، في تخريب المنطقة العربيّة بأسرها، وبخاصّة تلك البلدان التي سارت خطوات في التحديث وواصلت البناء على أمجاد مُدُن عريقة، كدمشق وبغداد والقاهرة وتونس وصنعاء...فالعالم العربي، كان ذات يوم عالم الرسالات السماوية، والأخلاق، والقيم، والتسامح، والعلم، للأسف بات اليوم عالم حرق المشافي، والمستوصفات، وتدمير المدارس، ومحطات الكهرباء، وتخريب أنابيب مياه الشرب، والنفط.‏
فالرجعية العربية المتمثلة اليوم بمستواها الرسمي بممالك و إمارات و مشيخات الخليج ، لا تجيد إجراء الحسابات الدقيقة، ولا تعرف من معاني الاستراتيجيا إلا ما يفيدها في مواصلة بيع ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز، وما يخدمها في الحفاظ على عروش ملوكها وأمرائها ومشايخها عبر العلاقة التبعية مع واشنطن وبعض عواصم غرب أوروبا، وخارج هذين الشرطين فهي تعمل معصوبة العينين في كل الاتجاهات لمصالح لا يعنيها أين تصب، وأجندات لا يهمها من تستهدف وصفقات لا تعرف الرابح فيها من الخاسر، وهي من أجل ذلك تستبسل في التحريض على التغيير في المنطقة، وتمويل هذا التغيير طالما أن المطلب الأميركي ينحو هذا المنحى ! ‏‏
مشتبه من لا يزال يعتقد أن بعض ممالك ومشيخات الخليج ، قد أدت دوراً بريئاً من خلال مساهمتها الخفية والعلنية في إعادة تشكيل وجه المنطقة العربية في الأعوام الثلاثة الفائتة .
مثل هذه الممالك والمشيخات والإمارات، بدورها الأسود في التاريخ العربي الأسود، وطبيعة نظم الحكم فيها، وفقدانها لاستقلال القرار، هل يصدق أحد أنها تريد أن تشكل وجه المنطقة بتمويلها السخي، على قواعد الحرية والديمقراطية؟ أم إنها تريد ان تطلق فيها، رياح الفوضى، كي تكون في مأمن من التغيير المحتمل؟ وهل المشهد في تونس وليبيا وسوريا ومصر واليمن يوحي بأن المال النفطي قد أحدث فيها تغييراً ثورياً على طريق الحرية والديمقراطية؟ أم إن هذا المال يكاد يوصل هذه الدول إلى حافة التحلل والانهيار والعودة إلى عصور الظلام على ظهر اقتتال داخلي مرير؟ التدقيق البسيط في المشهد يجيب على كل الأسئلة!
لقد تحولت هذه الممالك والمشيخات والإمارات إلى غرف عمليات كبرى للتحركات العسكرية والاستخباراتية الأميركية والأوروبية و«الإسرائيلية» ، كما جند مسؤولو هذه الدول ومعهم جمهرة من وعاظ السلاطين ، أنفسهم لخدمة الحرب الاستعمارية المعلنة على الأمة الإسلامية بإسم نشر الديمقراطيات والحريات في الشرق الأوسط، الشيء الذي يدعو إلى الاستنكار الشديد، باعتبار أن هذه المشيخات والإمارات هي آخر من يحق له التحدث في هذا المضمار، نظراً لسجلاتها الحافلة بانتهاك حقوق الانسان وترسيخ الطائفية وقمع المطالب العادلة لشعوبها ولاسيما في البحرين والسعودية، فضلاً عن تحويل أراضيها ومياهها وأجوائها أماكن مباحة وخاضعة كلياً لصولات وجولات جيوش الولايات المتحدة والناتو والعدو الصهيوني .
ولم يكتفوا بذلك بل أمعنوا في تقديم تنازلاتهم فباعوا قضية العرب وحقوق الشعب الفلسطيني في مزاد الخيانة والانصياع الكامل لشهوات المتاجرين من أمراء الدم العربي ... هذه الحواضن بممالكها القائمة على أنقاض الديمقراطية والحريات المسلوبة من شعوبها والحقوق المهضومة، هي اليوم الحاضنة الأولى لصناعة الوحوش البشرية والمصدّر الرئيسي للإرهاب برسالته الإجرامية وأسلحته البندرية وعقليته التطرفية الوهابية التي تستثمر الدين في حلبة تدمير الدول وانتهاك حرمة سيادتها واستقلالية قرارها وزرع شراذمة قتلتها وشريعة بلطجتها في حياة الشعوب الآمنة.
فالوضع مأساوي في بلداننا العربية ، وبدرجة كبيرة حتى في البلدان الخليجية ذاتها التي تتربع على عرش المال العربي من خلال النظام الملكي السائد في المنطقة، حيث إن الحكام في هذه المنطقة يتوارثون الحكم والثروة دون أن يحاسبهم أحد، ودون أن يقيموا حتى نظاماً اقتصادياً جيداً في بلدانهم، لأنهم يملكون نسبة عالية جداً من الثروة ويصرفونها في أوروبا بدون حد أدنى من القيم الأخلاقية التي تجعلهم يوظفونها في الوطن العربي من أجل رفع الفقر والبطالة ، وحالة الإذلال التي يعيشها الإنسان الخليجي، بل إنهم يدفعونها في شكل رشاوى للغرب، وبخاصة أمريكا لإقامة قواعد عسكرية في المنطقة لتأمين عروشهم ومحافظتهم على كراسيهم، ولا يتورعون عن التآمر على البلدان العربية كالعراق وليبيا و سورية واليمن ومصر... من أجل تدميرها والعمل على إسقاط أنظمتها وإثارة النعرات الإثنية بالتحريض والإثارة الإعلامية وإنفاق الأموال الطائلة لتحقيق هذه الأهداف .
أجل هناك شيء واحد برعوا فيه وهو أنهم وبدلاً من أن يوظفوا ملياراتهم لنشر الوعي والثقافة والوحدة الوطنية وفعل الخير ودعم أخوتهم في فلسطين، أنفقوها في التآمر عليها وفي وضعها في البنوك الأجنبية وفي تمويل الإرهاب وفي افتتاح قنوات فتنة تبث فتاوى الفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أسس مذهبية وعلى لسان نفوس موتورة أعماها التعصب والعصبية ...
نحن نعيش اليوم في مرحلة عربية تندثر بها مصطلحات ومفاهيم الوحدة العربية في مستواها الرسمي الحاكم ، أما الشعوب العربية فما زالت تنشدها في روح الإحساس بالمصير المشترك، ونشاهد كيف يضمحل العمل العربي المشترك، والدفاع والأمن العربي المشترك، لتطل برؤوسها مصطلحات الأمركة والفرنسة ونعود إلى التتريك ، ولتطل ''الأسرلة والصهينة'' مقدمات بديل العروبة والجامع القومي ، ونرى بأم أعيننا سموم النسق الدولي المهيمن، في أشباح التتطييف والتمذهب والصراع الهوياتي والإثني بديلاً منها، وعموم المشاريع الخبيثة والمخططات الشريرة خدمةً لعيون «إسرائيل» .
نتفهم أولاً أجواء التهييج وبث الثقافات المعادية والتضليل الفضائي الإعلامي من مراكز متخصصة «إسرائيلية» وأميركية وغربية عموماً، التهييج المصمم من أجهزة متخصصة وتأتي على شكل أخبار وآراء وأفكار وتحليلات، تقترن بالتحريض الإشكالي للديمغرافية الشرق أوسطية، التي طالما استخدمها العقل الأميركي والإسرائيلي خدمة لثنائية المصالح الامبريالية في المنطقة ممثلةً بمكامن النفط واحتياطاته العالمية و«إسرائيل» .
نتفهم هذا الاستهداف باعتباره محاولة لتفكيك أي منظومة عربية إقليمية ترفض المخططات المرسومة ضد المنطقة، ونتفهمه ثانياً لأنه امتداد تاريخي لصيغة مخطط سايكس ـ بيكو ومعهما وعد بلفور، وهو اليوم في صيغة معاصرة للسيطرة على اقتصادات المنطقة وبخاصةً الطاقة وثرواتها الهائلة ذات التأثير الكبير على الاقتصادات العالمية.
نتفهمه من الضواري ، ولكن لا يمكننا أن نتفهمه من ممالك ومشيخات وإمارات النفط ، التوابع الناطقين بالعربية ، وكيف يأخذ تضليلهم الإعلامي وبإسم الدين أشكالاً سياسية و''فقهية'' بالمعنى الطائفي والمذهبي، وكيف يحاولون اصطناع هوية طائفية مذهبية للدولة العربية والإسلامية عموماً، بعيداً عن مضمون الحداثة وقيم المواطنة والتنوع والتعدد ، وكيف ''يفترضون'' صراعات وأعداء بتوظيفات تاريخية، عبر بث إيديولوجيات قهرية لهذا الهدف، نحو تسويغ مخاضات دموية وهابية إرهابية سوداء، وقد فشلت ومعها أهدافها حيث ولدت، لأن الإرهاب هو نتاج أفكار سوداء ويواجه بعمق وعي الناس ويقظتهم الكاملة.
نحن في زمن لا أجد له تسمية تستوعب كل شروره، في التاريخ العربي مرحلة أطلق عليها العرب مرحلة الانحطاط ... أنا على يقين أن مرحلة الانحطاط التي عاشها العرب في زمن الدويلات لم تصل بنا إلى هذا المستوى الذي يعيشه العالم العربي اليوم ،‏ لم يصل سفك الدم العربي على يد العرب أنفسهم إلى هذا الحد .
لم تنتشر فيه مفاهيم التكفير إلى هذا الوضع الذي نعيشه، ولم تستيقظ الطائفية والمذهبية والإثنية كما استيقظت اليوم، ولم يتفكك الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، والاقتصادي كما هو مفكك في هذه الآونة، والأكثر خطورة في كل ذلك لم يصل العرب إلى هذه المرحلة من الدونية، والانجرار خلف الدول المعادية للعرب والعروبة والإسلام كما هم اليوم خلف أميركا والغرب، وخلف الصهيونية العالمية التي تستهدف الإسلام والمسلمين أرضاً ومقدرات ثقافية واجتماعية واقتصادية، للوصول بالعرب إلى مرحلة التلاشي، ومن ثم الموت والاندثار كأمة لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن الواقع الراهن بكل وجوهه المزرية، يواجهنا، يدفع بنا إلى أن نقر بما هو قائم، لا أن نطمر رؤوسنا.‏
وعلى سيرة التاريخ ثمة مؤرخون «إسرائيليون» جدد راحوا يعيدون كتابة تاريخ «إسرائيل» وتحدثوا عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني وكيف زورت «إسرائيل» تاريخ هذا الشعب، وسجلوا حقيقة هذا الكيان العنصري.‏ وأميركا بدورها تريد أن تزور التاريخ على هواها، وأن تبيّض تاريخها الأسود الذي لا يقل سوءً عن تاريخ هتلر.
فمن الذي زور قضية أسلحة التدمير الشامل التي لفقت للعراق فدمرته وقتلت مئات الآلاف من العراقيين، وهي التي خلقت الإرهاب في العالم لتتدخل في شؤون الدول بذريعة محاربته، وكذبة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودوماً كانت الأخبار الكاذبة هي مفاتيح تخريبها للدول وقتل شعوبها، فقطعت أوصال يوغسلافيا، والخبر الكاذب كان في أساس الثورات المخملية، وكذلك في تدمير ليبيا وتدمير صربيا قبل 13 عاماً وسلخ كوسوفو عنها، واليوم تدير سوريا وتفكيكها خدمة للصهاينة .‏
وهنا تندرج بالجملة ثقافة الإمّعات (بكسر الهمزة والتشديد على الميم) من عربان الغرب، من التوابع للأمركة بوصفها مرجعية، وذلك بهدف وضع مجتمعاتها في أجواء الهيجان الصاخب تحت التأثير والمواجهة، وجعلها ميداناً لصراعات تفتيتية داخلية معقدة ، تسهل على «إسرائيل» هيمنتها ، بانتقالها من العدو الرئيسي إلى مكان آخر، فالعدو هو الآخر المذهبي بعينه، وذلك تمريراً وخدمةً لمصالح الضواري العابرة للقارات .
هكذا يلعب التضليل الإعلامي وبالتفاصيل اليومية، دور الجزء الأساسي في المرجعية الأميركية، فضلاً عن كونه جزءاً أساسياً من الإستراتيجية الصهيونية، والأخير واضح وجلي ويمارس يومياً باعتباره وسيلة تحقق أهدافه، تفوَّق بها على التضليل النازي الذي ابتكره ''غوبلز'' وأجاد استخدامه.
وهذا ما يفسر أيضاً الحملات الإعلامية المغرضة والمسمومة لفضائيات النفط ، وهي تخاطب اللاوعي الجمعي الطائفي والمذهبي، وتحويله إلى صراعات ''فقهية'' لكل مَنْ ''تفيقه'' وأطلق لحيته وحفّ شاربه، ''فقهية'' تهدد الوجود والمعنى والقيم حين تحول السياسة إلى أوهام مذهبية، في سياق الصناعة الأميركية لـ''العدو''، وضمن منظومة تأثير التوظيفات في الجمهور المستهدف بايديولوجيات قهرية، ذاتها تعاني من فوبيا التاريخ، في عملية مستحيلة لتحويلها إلى مرجعيات ومعضلات إشكالية تمس السياسة والاجتماع والاقتصاد والأمن بما فيه مفهوم المواطنة والحداثة والتعدد، أي ضرب المنطقة العربية ذاتها في صميم وحدتها الشعبية وفي صميم الجامع المشترك .
حقيقةً كان تحوّل الرأسمالية الغربية الى امبريالية متوحّشة متجلياً بصورة مقرفة في الواقع العربي منذ رعاية هذا التحول لمشيخات البترودولار، وكانت وضاعة الغرب مثيرة للتقزّز أمام المال العربي ما سهّل التمادي في تبديد الثروات والطاقات، فلا تغيب عن الأذهان صورة ''برلسكوني'' وهو يقبّل يد القذافي، ويحضر مؤتمر القمة العربية في سرت نائماً، ولا صورة الأمريكي وهو يراقص آل سعود في مهرجان الجنادرية ويعبثان سوية بالسيف العربي...، ولا لهاث حكام قطر لإدماج «إسرائيل»  ـ حاضنته ـ في الشرق الأوسط الجديد. إنه تكامل الأدوار القذرة بين الرجعية الخليجية ووحشية الامبريالية الجديدة .
لكن المؤسف فعلاً أن تسمح الظروف بتورّم حكام ممالك ومشيخات وإمارات وانتفاشها، فيتصدون لقيادة العمل العربي المشترك، ولتبؤ دور فاعل بل أساسي في زمن عربي جديد يتهافت فيه النظام الرسمي العربي، وكذلك بعض النخب، أمام البترودولار .
في الممارسة العملية نرى كيف تصطنع الأمركة أسواقاً لتغذية سوق السلاح ، فهو نتاج تحريض على ''العدو الموهوم'' بدلاً من الحقيقي، نحو حروب تدمر الجغرافيا والديموغرافيا معاً، فهل يعتقد أحد أن التسليح الأميركي الباهظ للعرب هو دفاع عن الأوطان والحقوق بوجه التمادي والهيمنة الصهيونية! أو أنه دفاع عن جوهر العقائد الإسلامية والمسيحية ومن أجل القدس والتي يجتاحها التهويد؟ وهكذا تتحول الرجعية العربية الى الطور الامبريالي وهي تمتد وترنو لتكون ممالك ومشيخات وإمارات النفط الخليجية، هي الوطن العربي كله، ولتكون النظم الرسمية العربية الجديدة أسيرة مخاطر الدعم المالي الخليجي حتى يستقيم أَودها بعد أن تنمو وتتطور على الرضاعة من الثدي الرجعي الأطلسي. وتبقى قضايا أساسية وطنية وعربية مؤجّلة لمرحلة ما بعد التدجين.
فأي مستقبل ينتظر الحقوق والأجيال العربية ؟! ولا سيما حين تصادر التطلعات المشروعة في المشهد الاحتجاجي العربي بقرار وهابي سعودي... يستلب الآمال والآفاق!
في الأوقات الراهنة، أقرأ في الصحافة والإعلام الغربي ، و أرى الكم الهائل من الأذيات البادية على شكل برقيات وطلبات ورجاءات وتوسلات سعودية وقطرية رخيصة ومهينة... لكي يستخدم هؤلاء الحكام قوّتهم وهمجيتهم للخلاص من بعض الحكومات العربية، إنها ـ ويا للأسف ـ برقيات يومية طافحة بالمذلة، والضعف المخجل استحلافاً لحكام الغرب لكي يحتلوا البلاد العربية مرة أخرى... وهنا يتبدى أمران، الأول هو صراحة الغربي وكشفه للأسرار الخليجية من أجل الإمعان في إذلال بعض العرب، والثاني هو الرخص الشديد لسلوك حكام دولة آل سعود وقطر، وتفاهة التفكير الأسود الذي وقعوا في شباكه !
في المضمون، فإن رجعية ممالك ومشيخات وإمارات النفط الخليجية في كل ما حصل، قامرت بكل رصيدها دفعة واحدة، دون أن تعلم أن رياح التغيير التي هبت على المنطقة، كيفما كان تقييمنا لها سوف لن تتوقف عند حدود رمال الربع الخالي ، وأن العدوى التي انتشرت شرقاً وغرباً في المنطقة العربية لن تستثني عرب الخليج ، الذين هم الأحوج والأكثر عطشاً للتغيير مادامت طواقمهم الحاكمة هي الأكثر جهلاً واستبداداً بين كل المقامات العربية الحاكمة، ومادامت الثروة الخليجية تتبدد من وراء ظهور المواطنين الخليجيين لتبتلعها مصارف نيويورك ولندن وباريس وصفقات السلاح التي لا تعدو كونها مظهراً من مظاهر الوجاهة الفارغة التي تفتقر إلى أي معنى حربي على أرض الواقع .‏‏
وهنا أسأل: هل لنا غير تاريخنا وكرامتنا، وعقائدنا، ومبادئنا، وثباتنا، وقوتنا الذاتيّة، ومحبتنا، ووطنيتنا... من مخلص؟!
لا أظن، ولا أرتجي. لذلك نحن ـ كافة القوى الوطنية والعروبية ـ مطالبون اليوم بجهود نوعية، نتجاوز فيها حالة ما يشبه الانكفاء. وجماهيرنا العريضة الواسعة على امتداد ساحات الوطن والأمة تنتظر جاهزةً، وقد تتجاوزنا. فهي لن ترض أبداً بهذا العبث الطالع... ولا بالتكاذب والنفاق الرجعي.
فالأحرار العرب والقوميون، والمستنيرون من رجال السياسة والفكر والدين لن يستسلموا، ولن يسلّموا مصائر الأوطان والأمة للصغار وأشباه الرجال، ولا لأصدقاء أمريكا و«إسرائيل» من هؤلاء الدمى الذين يبددون ثروات الأمة، والذين لا أفق لهم إلا في الدائرة الرجعية الامبريالية الصهيونية التي خبرتها الشعوب الحيّة في كافة أرجاء الأرض ، وهي تستعد اليوم وتتشكّل من جديد لمناضلتها . فقليل من الصبر، وكثير من العمل .. والنصر حليفنا ـ منطقياً ـ لا محالة .

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة