زوجة الشيخ علي سلمان لزوجها : كلنا فداء لهذا الوطن

زوجة الشیخ علی سلمان لزوجها : کلنا فداء لهذا الوطن

عشية 20 أيلول 2013 ، كان يحضّر الشيخ علي سلمان لخطابه الذي ألقاه لاحقاً في حفل تضامني مع القيادي في جمعية الوفاق خليل المرزوق ، الذي كان معتقلاً آنذاك ، كتب : "اعتقلوني بقية حياتي ، واعتقلوا زوجتي واخوتي، واعتقلوا ابني مجتبى ذو 18 ربيعاً ، واعتقلوا بعده ابنتي نبأ ذات الخمسة اعوام ، ليس لديكم شرعية شعبية، ولو وضعتمونا كلنا في السجن لن نعطيكم هذه الشرعية".

وعندما دوّن العبارة اعلاه ، نظر إلى زوجته التي كانت تشاركه التحضير للخطاب وسألها : "هل تقبلين أن أكتب ذلك"؟ أجابته : "بالطبع… كلنا فداء لهذا الوطن" ، و تضيف : أذكر حينها أنّه تعجب من ردي ، ابتسم مطمئنا ً .
هكذا تتحدث السيدة علياء رضي عن زوجها ، المعتقل منذ قرابة السنة، والمناضل منذ ما يزيد عن ربع قرن .
• من هي علياء رضي ؟
أبعد من كونها زوجة زعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان، تعرّف السيدة علياء رضي عن نفسها بأنها "مواطنة بحرينية تؤمن بأن البحرين قادرة على أن تكون وطن العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة ، وطن يأمن فيه أهله، وأطفاله ينعمون بأحضان آبائهم… وطن استطيع أن أقول فيه كل ما أريد دون ان تخنق فيه كلمتي… سجونه بيضاء وخيراته ينعم بها أهله سواسية بدون تمييز". في بلادها، لا ترى علياء رضي نفسها سوى بحرينية تحلم بوطن ... وقبل أن تكون زوجة زعيم سياسي معارض فهي معارضة تؤمن بمشروعه السياسي "وبنضاله النظيف والراقي ومقتنعة بحركته وقيادته للعمل النضالي المتزن والمدروس والوطني"وزوجة هي بالنسبة لزوجها شاطئه الأخير.
"الشاطئ الأخير"... هكذا كان يُطلق الشيخ علي سلمان على زوجته. لقب أحبته فلازمها ، تقول "أن أكون زوجة أمين عام أكبر جمعية سياسية معارضة في البحرين يعني أن تكون التضحية أكبر والبذل أكثر.  وفي قاموس الشيخ علي سلمان -تحديداً- هذا يعني أن كل ما نملك من وقت  ومال و جهد هو بذلٌ قليل أمام عطاء الله ونعمه وأمام ما يقدمه هذا الشعب من تضحيات".
"وأن أكون زوجة معتقل سياسي وقائد وطني  هي مسؤولية كبيرة  أيضاً و محل فخر ، و أن أحمل هذا الاسم  كأمانة تعني أن أكون معه  أشد على يده وأسانده في خطه ومبادئه، وتطلعاته فالشيخ علي سلمان يمتلك من الانسانية والمصداقية والثقة والشجاعة والاطمئنان ما يجعل من عشرات الآلاف من الناس تؤمن بمشروعه السياسي وأفكاره الوطنية… وتوقن بأنه رغم اعتقاله لن يمنح الشرعية لأي سلطة استبدادية".

* لم أتفاجأ باعتقاله 

"لم أتفاجأ بخبر اعتقاله، بل كنت مستعدة ومتهيئة لذلك" ، هكذا تقول علياء رضي. وتضيف: "لطالما تحدثنا معاً مطولا وكنا نضع أمامنا ذلك اليوم كثيرا ورسمنا له سيناريو وطريقة حياة" . "كان  يمهد لهذا اليوم منذ بداية الهجوم على الثورة وكان يعطي المقدمات لتحمل كل ذلك، لأنه ذهب لهذا الخيار باقتناع تام منذ أن دخل في أتون العمل السياسي قبل ٢٥ سنة تقريباً أو أكثر".

ومنذ انخراطه في العمل السياسي كان يدرك الشيخ علي سلمان أن مواجهة سلطة بالغة الاستبداد والتسلط، يعني أن كلفة التضحيات ستكون بالغة. في التسعينيات، تحديداً في كانون الأول/ديسمبر 1994اعتقل الشيخ علي سلمان، وشكّل اعتقاله أحد أهم أسباب اندلاع انتفاضة الكرامة في التسعينيات، التي امتدت لسبع سنوات،  وسقط خلالها عشرات الشهداء واعتقل الآلاف بينهم علماء الدين والنخب السياسية.

عقب اندلاع الحراك الشعبي في شباط/فبراير 2011، لم تغب فكرة الاعتقال عن بيت الشيخ سلمان. تواسي زوجة الشيخ علي نفسها بزوجات الرموز المعتقلين والأطباء، عندما تتحدث عن زوجها تستدرك: "خيرة رجالنا ونسائنا والمئات من أطفالنا في السجون"... وتردف: "نحن نؤمن بأن هَذَا الطريق مكلف ومقتنعون بصوابيته. نحتسب كل شيء عند الله و نرضى لرضا الله".

لم يكن الاعتقال الضريبة الوحيدة التي دفعها الشيخ علي سلمان وعائلته انتقاماً من مواقفه السياسية، "المشهد الذي لايفارقني أبداً هو مشهد محاولة الإغتيال التي تعرّض لها يوم الجمعة 22 حزيران/يونيو2012". تروي السيدة علياء: "خرجت مسيره قرب منزلنا في منطقه البلاد القديم، رفض النظام أن تخرج المسيرة، لكن الشيخ تحدى المنع وخرج للتظاهر مع الناس، رغم كثافة  التواجد الأمني حول المنزل. طلب مني إحضار وردة  قبل خروجه كرسالة محبة وسلمية، إلا أنه خرج وسرعان ما عاد متمسكاً بالوردة ، لكن ثيابه كانت ملطخة بالدم… لم تجد قوات الامن إلا مواجهة المشهد السلمي بالرصاص، فأصيب الشيخ بطلقة في ظهره وأصيب أحد مرافقيه اصابه بالغة، لا تفارقني هذه المشاهد!"

          

* بابا... أحتاجك بجنبي
للشيخ علي سلمان أولاد ثلاثة يعلق صورهم في زنزانته: مجتبى (20 عاماً)، نبأ (7 أعوام) ، سارة ( 10 أشهر). يرى الشيخ علي سلمان نفسه في ابنه "مجتبى" ويتمنى أن يحصل ابنه على كل مالم يتمكن هو من الحصول عليه، في وطن يؤمن يحفظ له طموحه ومستقبله. متعلق هو بطفلته "سارة" التي اعتقل يوم كانت تبلغ من العمر 40 يوماً، يشتاق لها كثيراً وينتظر موعد زيارة العائلة ليعطيها شيئاً من حنانه الذي حُرمت منه. وثمة علاقة من نوعٍ مختلف بينه وبين "نبأ" التي تفتقده كثيراً، بعد أن كان يخصص لها وقتاً رغم انشغالاته الدائمة… "نبأ طفلة ذكية جداً، مرت عليها الكثير من الاحداث التي جعلتها تدرك ما نمر به في البحرين، تذكر كيف تم في إحدى المرات  تكسير نافذة غرفتها بطلقه مسيل للدموع تسببت لها بحالة اختناق، و تدرك من فعل و لماذا ..  هي تدرك ان الوضع في الوطن غير طبيعي لان الكثير من آباء  صديقاتها في المعتقل وقد لمست آلامهم عندما اعتقل والدها…" وفق ما تنقل والدتها.
ورغم مرور أكثر من 250 يوماً على اعتقاله، لازالت ابنته نبأ تكتب لأبيها الرسائل، تعبر عن شوقها له، في احدى رسائلها، تكتب الطفلة: "بابا أحبّك كثيراً وأشتاق لك كثيراً عندما تخرج من السجن سأنام في حضنك، وسألعب معك... لا تبتعد عني أبداً، اني أحتاج إليك كثيراً بجنبي، أنا اتذكرك دائماً لا تنسني".
صباح يوم 28 كانون الأول/ ديسمبر 2014، اعتقل الشيخ علي سلمان لتدخل البحرين في أزمة مفتوحة أخرى. في رسالته الأخيرة لابنته نبأ ذات السنوات السبع، كتب الشيخ سلمان: "أذكر أيضاً تلك النظرة الفزعة التي ارتسمت على عينيك وأنت تسمعين الطرقات القوية ترطم باب بيتنا، ودموعك وأنت تقولين لي لم تأت الشرطة إلى بيتنا في يوم ميلادي يا بابا؟ نحن حتى لم نفتح الهدايا بعد.. ماذا يريدون؟ وعندما ودّعتك ذاهباً، أخذتِ عهداً علي أن أعود لنفتح هداياكِ الجميلة في المساء، ولتنامي في حضني كما كل ليلة، وما زال وعدي ووعود آباء أطفال آخرين معلقة بين بحرين بحر الأرض وبحر السماء".
كتب الشيخ علي سلمان لأولاده: "إلى ثمرتي فؤداي.. ابني الحبيب مجتبى وابنتي الحبيبة نبأ... تعلمان يا سرور قلبي أنني أحبكما كثيراً.. كثيراً.. وأشتاق لرؤيتكما وأحلم بمستقبلكما الذي أتمناه.. اسمح لي يا ولدي الحبيب مجتبى أن أخاطب أختك الصغيرة في هذه الرسالة، أجيب على سؤال يراود خاطرها البريء: لماذا سجنت يا أبي؟ فهي لا تدرك ما أصبحت تُدركه أنت من واقع نعيشه".

"ما أستطيع أن أقوله لك الآن، أنني في السجن لأن أطفالاً كثيرين غيرك، لا يتاح لهم أن يفتحوا هدايا عيد ميلادهم مع آبائهم، بل لا يتاح لهم حتى أن يفتحوها وحدهم، وبعضهم لا يحصل عليها. آباء كثيرون كتبوا إلى أطفالهم، لست الوحيد الذي أكتب إليك. بعضهم كتبوا رسائلهم على شكل أبناء يذهبون إلى ساحة الحرية ويرتفعون إلى الله شهداء. وبعضهم يكتبون رسائلهم على شكل أبناء يذهبون إلى دوار اللؤلؤة ولا يعودون، وبعضهم يكتبون إلى أبنائهم الصغار عبر أبنائهم الكبار الذين يقضون في السجن ربيع أعمارهم. وأنا أكتب إليك رسالتين، هذه الرسالة، ورسالة أخرى في شكل أب يعتقل ليلة ميلاد ابنته، ويفقدان متعة فتح صناديق الهدايا معاً. يوماً ما ستكون هديتي إليك وطن هداياه مفتوحة لكل أبنائه من غير تمييز."

"ابنتي الحبيبة نبأ..  لا أعرف كم ستمضي علي من السنوات في السجن قبل أن أخرج وأعانقك في الضوء مجدداً. لكن ما أريدك أن تعرفيه الآن أني في السجن لأني أحب رؤية الشمس وهي تشرق على بلدي وتنير ظلامها، أحب أن يحتفي أبناء بلدي بالشمس وهي تشرق علينا جميعاً دون تمييز... أنا في السجن لأن البحر الذي أعرف أنه يقع خلف هذا المبنى الذي أسجن فيه، دون أن أتمكن من رؤيته، هو واحد من الأشياء الفاتنة التي تميّز جزيزتنا الصغيرة الجميلة، لكن الناس لم تعد تصل إليه اليوم... لقد صار البحر ملكاً لفئة من الناس وليس لكل الناس."

* لن يمنحكم زوجي الشرعية
كما مجتبى ونبأ وسارة، تنتظر علياء رضي زوجها في اليوم الذي سيخرج فيه من المعتقل. في حديثها لموقع المنار، تقول: "لو اجتمعنا اليوم  بالطبع سيحدثني عن شوقه لأطفاله و بيته  الذي يشكل بالنسبة له الوطن الأصغر والمرفأ الآمن لقلبه المتعب والمثقل بهموم الوطن. سيحدثني عن أولاده عن مجتبى ونبأ التي لا تنفك من مفارقته، وعن سارة التي لم تهنأ بحضنه ولم تنهل من حنانه و عطفه، وعن حبه لهذا الوطن بسنته و شيعته، وعن ألمه لاستمرار هذه الازمة…  وسيتمتم كعادته بدعائه للوطن بالحفظ ولاهله بالخير".

"كل صور و مشاهد حياتنا محفورة في ذاكرتي ولا أنساها، و تمر الآن أمامي كشريط سينمائي، كل زوايا البيت تذكرني به، لكن  زاوية  القراءة هي الزاوية التي  طالما تسكنني، حيث نجلس  نشرب الشاي و تدور حواراتنا  ونقاشاتنا حول كتاب قرأناه معاً، أو عن شعر أو رواية"، تقول السيدة علياء رضي سلمان.
منذ لحظة اعتقاله، تحول نشاط علياء رضي إلى تحرك مستمر، لم توفر وسيلة من شأنها أن تصب في خدمة قضية زوجها المعتقل. خاطبت منظمة العفو الدولية، كتبت عن زوجها ومحاكمته وأجرت مقابلات، تقول: " أنا الآن اكتب لا  لأخاطب أحداً،  ولا استجدي من أحد. أكتب  لأنقل ولو جزء بسيط للرأي العام  عن هذا الرجل، الذي يناضل منذ ثلاثين سنة حتى اليوم لأجل هذا الوطن."
"ندرك أن الضريبة مكلفة جداً. البحرين مرت بعدة منعطفات سياسية خطيرة، فهل نتراجع؟  سفكت  دمائنا و فقدنا الكثير من أحبتنا بين أقبية السجون و المنافي، اعتقلت نسائنا و أطفالنا  وهدمت مساجدنا، قطعت أرزاقنا  و لأجل هذا الوطن و كرامته  ذرفنا الكثير من الدموع ، لكننا لم  و لن  نهزم ، و تاريخنا يشهد!"، تضيف علياء رضي.

السجن في البحرين مكان احتجاج وإن أراده النظام مكان احتجاز. عائلة الشيخ علي سلمان حملت منذ لحظة اعتقاله ثقل رسالة الاحتجاج، لسان حالها يقول: لم يمنحكم زوجي الشرعية، ولن تمنحكم "نبأ" وجيلها الشرعية، وسنواصل الاحتجاج رغم الاحتجاز.

الأكثر قراءة الأخبار الشرق الأوسط
أهم الأخبار الشرق الأوسط
عناوين مختارة