ما خلفية التدخل الأميركي والتركي المباشر في سورية والنتائج؟


ما خلفیة التدخل الأمیرکی والترکی المباشر فی سوریة والنتائج؟

ان اميركا تريد الرقة بيدها لتشكل لها ورقة تفاوضية تتيح لها الجلوس الى المائدة قوية قادرة على الابتزاز، كما انها قد لا تكتفي بالرقة وهي كما يبدو تحضر مع الاتراك لورقة ادلب

من الوضح ان المشهد السوري خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تميز بصور جديدة لا يستطيع الخبير الموضوعي ان يتجاوزهما او ينكرهما. فبعد ان حسمت معركة حلب واستعيدت بكاملها إلى كنف الدولة السورية التي تقودها حكومة شرعية بقيادة رئيس منتخب، بعد ان حسمت المعركة هناك سارت الأمور في سياقين مختلفين. حيث ان معسكر الدفاع عن سورية اتجه مباشرة لتوسيع دائرة إنجازاته وتثبيتها بعد تحصين وتثبيت ما حقق في الميدان ثم الاتجاه الى استثمار الانتصار وفقا لقواعد العمل في هذا الشأن، اما معسكر العدوان فقد اضطرب وتخبط وراح يتصرف بما أسقط الأقنعة التي طالما تخفى في عدوانه خلفها خاصة هنا اميركا وتركيا.‏

لقد تمكنت سورية وحلفاؤها في الأشهر التي تلت تحرير حلب من اسقاط خطط العدوان الرامية الى اسقاط سورية او تقسيمها، وكان عليها ان تتابع العمل الدفاعي لإسقاط التقسيم المقنع الذي جاء به ترامب تحت عنوان انساني لسورية اسماه خطة المناطق الامنة التي لو نجح ترامب في فرضها لكانت سورية خضعت لأمر واقع يقسمها الى مناطق نفوذ تتوزع بين 4 دول اجنبية على الأقل ولا يبقى لها من قرارها المستقل الشيء الذي يمكنها من الثبات في الموقع الذي من اجله خاضت الحرب الدفاعية لسنوات ست خلت.‏

وكان الأخطر في مشروع المناطق الامنة الدور التركي، نظرا لما لحاكم تركيا من أطماع جنونية واهداف عدوانية وسلوكيات لا أخلاقية تتنافى مع كل قواعد السلوك القويم والصدق في التعامل وحسن الجوار. فاردوغان هذا الذي طمع في بداية العدوان ان يكون سلطان الشرق ويستعمر نصف البلدان العربية انكفأ بعد الخسارة الاستراتيجية التي مني بها في سورية والتي تكللت في هزيمته في حلب حيث دفنت أحلامه كما قال الرئيس الأسد، انكفأ متمسكا بحلم وضع اليد على منطقة نفوذ خاص يتخذها مدخلا للعبث بالشأن السوري تحت عنوان المنطقة الامنة. ومن اجل ذلك تطور تدخله العدواني من صيغة غير مباشرة تمثلت بدعم واحتضان الإرهابيين المفسدين للحياة في سورية، الى تدخل مباشر عبر زج جيشه في الميدان السوري تحت عنوان قوات «درع الفرات».‏

ومع هذا التحول كان على سورية ان تتحرك في الميدان بحكمة وحزم معا وتمنع التركي المعتدي من تحقيق أهدافه في طبعتها الأخيرة. وبالفعل و بعد ان جرت في مدينة الباب عملية التسلم والتسليم بين داعش الإرهابية وتركيا التي ترعاها ادركت سورية المرمى التركي من العملية هذه ، فقام الجيش العربي السوري بعملية عسكرية رشيقة و نشطة حاذقة أدت في زمن قياسي الى السيطرة على كامل المنطقة بين مطار كوريس جنوبي الباب غربا و الضفة الغربية للفرات عند منطقة الخسفة شرقا و اقام بذلك طوقا حاجزا بوجه القوات التركية يمنعها من التمدد جنوبا باتجاهها الرقة التي تمني تركيا النفس بالوصول اليها ، ثم كان التقدم شمالا حيث اندفعت القوات العربية السورية لتمسك بالسيطرة على قطاع فاصل بين الباب و منبج و تقطع الطريق على الاتراك الذين يحتلون الباب و تمنعهم من التوسع شرقا الى منبج وفي العمليتين تكون سورية قد افرغت العملية التركية باحتلال الباب من محتواها الاستراتيجي و العملاني على حد سواء ، ما حدا بالمحتل التركي لإطلاق النار على مراكز عسكرية سورية تعبيرا عن حنقه و غضبه من تلك الخسارة . اما النتيجة سورياً فقد كانت افشال المسعى التركي وتجميد احتلاله حيث وصل تمهيدا لتطهيرا ارض السورية منه.‏

اما على الصعيد الأميركي صاحب مشروع المناطق الامنة مؤخرا، فجاء سلوكه كالتالي:‏

- الامتناع عن المساهمة الفعالة في العملية السياسية وممهداتها الميدانية والمتوزعة بين آستانة وجنيف، والظهور بمظهر المنكفئ عنها لصالح روسيا التي ترك لها ولمندوب الأمم المتحدة رعاية العملية وادارتها عاملا على العرقلة وتأخير أي انجاز على المسار السياسي حتى تتغير ظروفه.‏

- منع الصدام بين حلفاء اميركا واتباعها في الميدان السوري خاصة الاتراك في درع الفرات والاكراد في قوات سورية الديمقراطية، ولذلك ادخل لأول مرة وبشكل علني قوات أميركية الى منبج تعمل تحت العلم الأميركي.‏

- اعتماد خطط عسكرية لاحتلال الرقة واستلامها من داعش وتلحظ في ذلك دورا مباشرا للقوات الأميركية التي رفع عددها حتى الان في سورية من 500 قبل وصول ترامب الى السلطة، الى 1500حاليا مع تحضيرات لرفع العدد الى 6000 كما يتسرب من دوائر البنتاغون التي تبرر الامر بأن قتال داعش وإخراجها من الرقة يتطلب تدخلا اميركيا مباشرا في ظل عدم كفاية القوى المحلية ويعنون بها «قسد».‏

لقد اعتمدت اميركا هذا السوك لانها لا تقبل ان تذهب الى قاعة الحل السياسي وهي خاوية الوفاض من أوراق قوة ميدانية، وكذلك لانها لا تتقبل فكرة الصدام بين ادواتها وأخيرا لانها تريد ان توحي بانها باتت جزءا رئيسيا من المشهد الميداني السوري ليس من اجل محاربة الإرهاب الذي صنعته واستثمرت فيه فحسب بل من اجل تحقيق اغراضها من العدوان الأساسي على سورية.‏

ان اميركا بسلوكها هذا اوجدت واقعا جديدا في المشهد السوري وفرضت التعامل معه بحنكة ودقة على كل الصعد، وبالفعل فإن سورية التي اتقنت مع حلفائها إدارة معركتها الدفاعية خلال السنوات الست الماضية لن تتردد في مواجهة هذا الخطر بما يقتضي. ومن هنا نفهم كيف ان الرئيس الأسد كان واضحا في توصيف الوجود الأميركي كما التركي بانه احتلال طالما انه لم يكن بطلب او ترخيص او تنسيق مع الحكومة السورية الشرعية.‏

اما ميدانيا فان سورية تعلم ان بطارية مدفعية تنشر على مقربة من الرقة لدعم «قسد» لن تغير الكثير من المشهد لان اميركا اذا شاءت يمكنها الاستعاضة عنها بالطيران و لكن نشر البطارية له اهداف رمزية أخرى للقول بان معركة الرقة هي أميركية ، و على الاخر ان يأخذ في الاعتبار هذا الامر عندما يتحرك ، و اعتقد ان سورية لن ترضخ للرسالة الأميركية وكما انها قطعت الطريق على الاتراك و منعتهم من التمدد نحو الرقة فان الفعل ذاته ينتظر ان يحدث أيضا مع «قسد» و راعيتها الأميركية و ما وصول الجيش العربي السوري الى الضفة الغربية للفرات شمالي الرقة الا إشارة للنية السورية هذه .‏

ان اميركا تريد الرقة بيدها لتشكل لها ورقة تفاوضية تتيح لها الجلوس الى المائدة قوية قادرة على الابتزاز، كما انها قد لا تكتفي بالرقة وهي كما يبدو تحضر مع الاتراك لورقة ادلب ومن هنا نفهم كيف ان صحافيا اميركيا راح يسرب بأن داعش ستنتقل من الرقة الى ادلب ليبرر لاحقا انتقال اميركا بعد الرقة الى الشمال الغربي السوري لتضخيم حجم الوجود الأميركي المباشر في سورية حتى يكون الابتزاز أكبر.‏

ولكن اميركا تنسى بان وجودها في سورية وأيضا كما قال الرئيس الأسد انما هو احتلال، والتعامل مع الاحتلال في لغة الاحرار له أسلوب واحد تعرفه اميركا جيدا من فيتنام الى العراق وذكرها الرئيس الأسد بذلك وانه لن يكون حالها في سورية أفضل لا بل قد يكون الأسوأ على الاطلاق.‏

ان الوجود التركي والأميركي في سورية وفي كل الصيغ والوجود انما هو احتلال وفقا للمعايير القانونية الدولية وبالتالي ان هذا الاحتلال لن يصرف في السياسة فسورية التي اسقطت المشاريع العدوانية الأساسية عليها تعرف جيدا كيف تحرم المحتل من الابتزاز بالخطط البديلة وكما انها تتجه الى استكمال تحرير ارضها من الإرهاب وعصاباته تعرف كيف تخرج المحتل من ارضها وبكل الوسائل وما رسالة الخارجية السورية إلى الأمم المتحدة بصدد الاحتلال التركي إلا عنوان ودليل على هذا والبقية تأتي....‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏

المصدر: صحيفة "الثورة" السورية

/انتهي/ 

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة